Saturday 4th December,200411755العددالسبت 22 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

يارا يارا
المعارك الأربع الكبرى
عبد الله بن بخيت

دخلت الحرب العالمية الثالثة التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها على العالم مراحلها المعقدة، ومرشحة أن تستمر في الغموض والتعقيد، لا أحد في الدنيا يعرف نتائجها الأخيرة، ولكن الإطار العام للحرب ينذر بأن هناك حزمة هائلة من المفاهيم والثقافات الجديدة في طريقها إلى العالم، لا أضيف شيئا إذا قلت: إن بلادنا وبفضل من سفهائها صارت في قلب الكارثة، ولو أحدثنا مقطعا عرضيا لهذه الحرب العالمية سنرى أن قدر المملكة يفرض عليها أن تخوض أربع حروب شرسة، ثلاث منها داخلية والرابعة خارجية، لا يمكن كسب أي منها إلا بكسب الثلاث الأخريات، الأولى والظاهر منها هي الحرب المسلحة على الإرهاب، وهي حرب ظاهرة، الجميع متفق على وجودها، ولن نحقق نصرا كاملا في هذه الحرب إذا لم نخض الحرب الثانية، وهي المعركة ضد الفكر الذي يغذي هذه الحرب، وقد يبدو أن الحربين حرب واحدة كوجهين لقضية واحدة، هذا صحيح من جهة وغير صحيح من جهة أخرى، فالفكر الذي يغذي الإرهاب المسلح يلتف حول الإرهاب على شكل طبقات أو شرائح كل شريحة تقف خلف الشريحة قبلها حتى تتداخل في النهاية مع التسامح وتتخفى فيه. فحرب الإرهاب قد تتوقف في أي لحظة بسبب الضربات الكبيرة التي وجهتها له قوات الأمن، وقد تختفي عناصره المسلحة، وقد يتوقف خطباء التحريض وشيوخه أيضا.
ما هي المقاييس التي نقيس بها أن الإرهاب توقف نهائيا ولن يعود مرة أخرى؟ كيف نقيس أنه لم يتوقف ليلتقط أنفاسه ويولد جيلا أكثر قوة ومقاومة للمضادات الحيوية؟ أن إرهاب جهيمان توقف أكثر من عشرين سنة حتى ظننا أنه مات لكنه عاد بقوة وبفعالية أدخلتنا في حرب مع العالم وليس مع أنفسنا فحسب.
من مصادر الإرهاب الأساسية التزمت الديني، لكن من يستطيع الآن أن يعرف التزمت الديني ويضع له حدودا واضحة تشير إليه؟ متى يبدأ التزمت الديني ومتى ينتهي.
عندما نتحدث عن التزمت الديني لا نتحدث عن كتلة من التعصبات ملفوفة في حزمة واحدة يتبناها الإنسان وتحدد علاقته الكلية مع العالم، فقد يكون الإنسان متزمتا في ناحية وغير متزمت في ناحية أخرى. فهذا متعصب ضد الأجانب وهذا متعصب ضد المرأة، وهذا متعصب ضد التحديث، وهذا متعصب ضد الطوائف الأخرى إلخ، إن محاربة التزمت الديني ومحرضات الإرهاب بشكل مباشر كمن يريد القضاء على الناموس بمطاردة الناموس كل واحدة على حدة. إذاً لا يمكن أن نحقق نصرا في هذه المعركة إذا لم نخض المعركة الثالثة التي هي أوسع وأشمل وهي معركة التحديث وإعادة بناء آليات التفكير التي يستخدمها الإنسان عند التعامل مع هذا العالم. المعركة هذه تدور رحاها في حقل المسلمات، ليس إعادة قياس الأشياء ولكن إعادة النظر في أجهزة القياس نفسها.
في السنوات التالية لجهيمان تم تزويد المواطن السعودي بمسلمات تحتاج كلها إلى إعادة نظر واختبار. الخطورة في هذه المعركة أن نجيز استخدام الخطاب السائد لإحداث خطاب جديد، أن يلبس الحرس القديم بدلات جديدة ويصطفون في الطابور مرة أخرى، وهذا ما بدأ يحدث فعلا، نلاحظ مثلا أن زعماء الصحوة بدؤوا يتخلون تدريجيا عن عباءة الصحوة ويتسللون إلى قيادة المجتمع تحت عباءة جديدة اسمها الوسطية وغيرها من الكلمات الإيجابية والجميلة قد تخفي تحتها ما يناقضها، دون كسب معركة التحديث، هذه لا يمكن أن نواجه الحرب العالمية التي تشنها القوى الاستعمارية، فالمعركة الرابعة التي قدر للمملكة أن تخوضها مرهونة نتائجها بالمعارك الثلاث الداخلية وخصوصا معركة التحديث، فمعركة القوى الصهيونية في الولايات المتحدة ضد المملكة تستمد مبرراتها من خطاب الصحوة السائد في المملكة، فكلما بذلت حكومة هذا البلد جهودا خارجية لتخفيف تحريض الإعلام الغربي والصهيوني ضد المملكة قام زعماء الصحوة بإجراء جديد يعيد تأجيج المشاعر المعادية للمملكة ويمنح القوى الصهيونية مزيدا من الأدلة على صدق وعدالة أهدافها ولنا في بيان الـ(26) خير دليل.
أربع معارك شرسة قدرنا الوحيد أن ننتصر فيها كلها، فخسارة أي منها تعني خسارتها كلها.

فاكس 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved