Saturday 4th December,200411755العددالسبت 22 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
الرَّصافي والفلُّوجة
عبد الرحمن صالح العشماوي

حينما بنى أبو العباس السفَّاح مدينة الأنبار قبل أن يبني أبو جعفر المنصور مدينة بغداد، لم يكن يعلم أنَّ ثَرَى هذه المدينة (الأنبار) سيسعد بأن يحمل مدينة (الفلُّوجة) التي تعرف كيف تفتح نوافذها للمجد.
ولم يكن يعلم أن المدرسة العلمية الدينية فيها ستكون منبعاً علمياً غنّياً يخرِّج من علماء العراق من لهم قدم راسخة في العلم والفقه والبطولات.
كان الشاعر (معروف الرصافي) يرى مدينته الفلُّوجة صامدةً كالطود أمام المحتلِّ الانكليزي عام 1941م، برغم قسوة عدوِّها ووحشيته فقال:


أيها الإنكليزُ لن نتناسى
بغيَكم في مساكن الفلُّوجَهْ
ذاك بغيٌ لن يَشفي اللهُ إلا
بالموَاضي جريحَه وشجيجَهْ
هو كَرْبٌ تأبى الحميَّة أنَّا
بسوى السيف نبتغي تفريجَه
هو خَطْبٌ أبكي العراقيين..
والشامِ، ورُكْنَ البَنيَّةِ المحجوجَهْ
حلَّها جيشكم يريد انتقاماً
وهو مُغْرٍ بالساكنين عُلوجَه
يوم عاثت ذئابُ (اَثُورَ) فيها
عَيْشَةً تحمل الشَّنَارَ سَميجَهْ
فاستهانت بالمسلمين سِفاهاً
واتخذتم من اليهودِ وَليجَهْ
وأدرتم فيها على العُزْلِ كأساً
من دماءٍ بالغدر كانت مزيجَهْ
واستبحتم أموالها وقطعتم
بين أهلِ الدِّيار كلَّ وشيجَهْ
أفهذا تَمَدُّنٌ وعَلاَءٌ
شعبكم يدَّعي إليه عُرِوجَهْ
أم سكرتم لمَّا غُلبتم بحربٍ
لم تكن في انبعاثها بنَضيجَهْ
قد نَتَجْنا لُقوحَها عن خدِاجٍ
فلذاك انتهتْ بسوء النتيجَهْ
هل نسيتم جيشاً لكم مُبْذَعِرَّاً
شهِدَتْ جُبَنَه سواحلُ إيجَهْ
لا تغرنَّكم شِبَاكٌ كبارٍ
أصبحتْ لاصطيادنا منسوجَهْ
لستم اليوم في الممالكِ إلاَّ
جملاً، تحت صدرِه دُحْرَوجَهْ
فثناءً للرافدين وشكراً
وسلاماً عليك يا فلُّوجَهْ

هكذا يسجل الرَّصافي الشاعر صمود مدينته الفلُّوجة أمام المحتلِّ الانكليزي المتعالي في ذلك الوقت، وينتقد ادَّعاءَهم للتمدُّن والتطوُّر والحضارة، مؤكَّداً أن جريمتهم بالقتل والهتك لا تتفق مع ذلك الأدَّعاء، ويذكِّرهم ببعض الهزائم التي أصيب بها جيشهم (المُبْذَعِرُّ) أي: المتفرِّق في البلاد، ويحيّى (الفلُّوجة) التي صمدت أمامهم حتى اندحروا مهزومين برغم إدَعاءاتهم للنَّصر.
وأقول: سبحان الله العظيم، كيف تتكرَّر الأحداث كماهي مع اختلافٍ يُمليه اختلاف الحياة البشرية وتطوُّرها ؟!
فالانكليز كانوا يحتلون الديار ظلماً بدعوى التُّطوير والتَّمدين والمحتلُّ الأمريكي الآن يغيَّر صفة الدَّعوى إلى تطبيق (الديمقراطية)، وكما تأكَّد زَيْفَ دعوى التمدُّن والتطوُّر، يتأكد زيف دعوى (الديمقراطية).
إنَّ الذي يضاعف الأسى في قلوبنا هذه الغفلة الهائلة في أمتنا، وهذا الهوان الذي لا سببَ له إلاَّ البعد عن منهج القرآن.
تحية للرٌّصافي، وهزيمةً لكلِّ محتل، وسلاماً عليك يا فلُّوجة.
إشارة
نهدي أبيات الرَّصافي إلى الكتَّاب المتأمركين (المتعلّوجين) نسبةً إلى (العلوج) من أبناء المسلمين لعلهم يفهمون.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved