*******
الكتاب :Hollywood et le Rêve américain
المؤلف: Anne-Marie Bidau
الناشر: Masson- Paris 2004. France
*******
السينما استطاعت أن تصنع من السياسي منظومة بعينها ربما لأنها عكست وبشكل دقيق الكارزماتية الأمريكية المتناقضة وغير السوية، هي التي وصلت إلى بيوت العالم، واستطاعت أن تؤثر على أجيال كثيرة اعتنقتها عن بعد، وصارت ترى فيها وجهة للهروب إلى (دولة الحرية والعدالة والمساواة)!
إنها السينما الأمريكية التي صاغت أيدلوجية الكبار لتبيعها إلى الصغار، إلى الدول الضعيفة كي تقول لها ببساطة: احذري من الأمريكيين القادرين على كل شيء!
(نحن لا ننتج سينما بالمعنى المتعارف عليه، بل نصنع الحرب على الطريقة التي نفهمها ونريدها، إذ يكفي أن يدخل أبطالنا إلى كل البيوت في العالم لنعرف أننا نجحنا في أول خطوة مهمة وهي إخافة العالم منا.. (تلك الجملة التي قالها الممثل الأمريكي (سيلفستر ستالون) الذي قام بأخطر أدوار هوليود في فيلم (رامبو) الرجل الذي يذهب إلى فيتنام ليحرر المعتقلين الأمريكيين. وبمفرده يستطيع تنفيذ المهمة والعودة إلى قاعدته سالماً بعد أن قتل آلاف الفيتناميين! كتاب: هوليود والحلم الأمريكي، يثير حالة من التقارب بين السينما والسياسة.
بين هوليود والبيت الأبيض، وبين استوديوهات هوليود والبنتاجون.
ربما في السنوات الأخيرة، بدا الاهتمام بسينما الحرب أكثر من أي شيء آخر، صار الميل إلى العنف مختلفاً عن السابق، لأن العنف هذه المرة صار يرتدي لباس المارينز ويلبس وجه الجيش الأمريكي الذي لا يمكن قهره.
إن أداء قراءة نقدية للسينما الأمريكية في السبعينات يجعل نظرية الحرب الأولى هي الغالبة، والحال أن المقصود بالحرب الأولى هو الحرب الباردة التي كانت تشعل النيران المخابراتية بين عدة جهات شرقية- غربية- جنوبية، كانت الكفة لصالح القطب الذي استطاع أن يطيح بالقطب الآخر، وما انهيار الاتحاد السوفييتي سوى تحصيل حاصل ليس على أساس (البروسترويكا) التي اعتقد (ميخائيل غورباتشوف) أنه اكتشفها في إطار الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، بل على أساس ما كان يجب أن تصنعه الإدارة الأمريكية بكل فروعها الحربية بمن فيها السينما التي لم تكن محايدة سياسياً بل كانت صياغة أخرى للسياسة نفسها، بحيث إن هوليوود تحولت إلى بنتاجون متحرك، يمكنه أن يفرز الفلسفة السياسية التي تريدها الإدارة الأمريكية، وليس العكس، يقول الكتاب. يعترف الأمريكيون أنهم نجحوا سينمائياً أكثر من نجاحهم السياسي، فالخطاب السياسي الأمريكي الرسمي لا يمكنه اختراق كل البيوت لأنه يظل
يلقى المعارضة الكافية التي تحول دون وصوله إلى كل العقول، بينما تحويل الخطاب السياسي إلى فيلم تنتجه استوديوهات هوليود فهذا وحده كفيل بإيصاله إلى الجميع بلا استثناء، على اعتبار أن الفيلم لن يضطر إلى الكشف علانية عن فكرة بعينها، بل سيكون دوره هو أداء جملة من الأدوار التي تصل إلى المتلقي على شكل رسالة لا يمكن الاعتراض عليها، لأن انبهار المشاهد بتكنولوجيا السينما وانبهاره بالقوة العسكرية الأمريكية على شكل طائرات حربية متطورة ورادارات وصواريخ عابرة للقارات، يكفي لإخافته من الدولة العظمى وبالتالي بربط مخيلته بالموت الذي يعني العنف المطلق في حالة تعرضت أمريكا لأي خطر!!!
لقد نجحت السينما الأمريكية في محاكاة المتلقي عبر إفراغ شحنة من الضغينة عليه، وبالتالي إجباره على تقبل العنف كبديل حتمي في واقع يعتمد في (أخلاقياته الراهنة) على ثالوث السلطة - المال- القوة، بيد أن العنف لم يكن عنفاً عادياً، بل كان مقصوداً تتدخل فيه معطيات كثيرة منها (المافيا الاقتصادية) و(المافيا السياسية) و(المافيا الثقافية) بحيث صار فيه القتل والاعتداء على الآخر والاغتصاب والمخدرات والجنس والفسق والمجنون، كلها صور تعكس (الحرية والتطور الحضاري والتمدن) على الطريقة الأمريكية التي جعلت أكثر من ستين بالمائة من شباب العالم يحلمون بدولة (الحرية)! يقول الكتاب.
إن صناعة السينما لم يعد نتاجاً سينمائياً فحسب، صار عبارة عن مؤسسات كبيرة قادرة على عبور المحيطات، بحيث إن هوليوود نجحت فعلياً في تحويل الأهداف الإنسانية في المتعة البريئة إلى السلاح الذي ينفذ أهدافها للسيطرة والهيمنة والاحتكار بفرض ثقافات موجهة.
وحققت السينما الأمريكية أغراضها بهذا الاختراق القوي المغلف بالفن واستطاعت أن تستفيد من الإمكانيات التقنية التي طرأت على هذا الفن فتزايدت إيراداتها وبلغ متوسطها سنوياً ما بين 15 إلى 25 مليار دولار مما هدد مثيلاتها في أوروبا وأنحاء العالم ووصل العجز في صناعة السينما الأوروبية إلى 4 مليارات دولار منذ غزو هوليوود للسوق الأوروبية. يتساءل الكتاب لماذا نجحت السينما الأمريكية بهذا الشكل الخارق للعادة؟
ويرد على السؤال قائلاً: لأن ليس هنالك أي بديل دولي يمكنه أن يقف في وجه السينما الأمريكية، لأن أمريكا تهيمن على العالم وهي التي تصيغ جملة الأحداث الراهنة. اليوم أمريكا تحتل العديد من الدول بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي التي تحتل العراق الآن، لهذا فالانكباب على ما تنتجه السينما الأمريكية سببه تلك الهيمنة التي جعلت الآخر يحاول قراءة الواقع وفق حكاية يحكيها البطل الأمريكي نفسه، بمعنى أنها حكاية لا تنحاز إلى الحقيقة بل تنحاز إلى أمريكا بالذات.
|