Saturday 4th December,200411755العددالسبت 22 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

أول امرأة سوداء تتولى منصب وزيرة الخارجية الأمريكية أول امرأة سوداء تتولى منصب وزيرة الخارجية الأمريكية
كونداليزا رايس: إرادة حديدية ورغبة مشتعلة في النجاح

*********
الكتاب: Condi: The Condoleezza Rice Story المؤلف: Antonia Felix
الناشر: Newmarket Press, New York. February 2004
*********
مع اقتراب الحرب الأهلية الأمريكية من نهايتها، انطلق جنود القوات الاتحادية المنتصرة يسلبون وينهبون ولايات الجنوب المهزومة.
أسرعت السيدة نصف السمراء جوليا تبحث عن مكان تخفي فيه خيول أسرتها في مكان لا يراه أحد.
وبالفعل مرت موجة السلب والنهب بهذا الجزء من ولاية آلاباما دون أن تفقد العائلة خيولها لتصبح بعد الحرب وإلغاء الرق والعبودية أساسا تنطلق به تلك العائلة من جديد.
بهذا الوصف الدرامي يقول أنطونيا فليكس مؤلف كتاب (كوندي: المرأة التي حطمت الجليد) إن هذا يمكن أن يكون مشهدا دراميا مؤثرا لبداية فيلم سينمائي عن حياة مستشارة الأمن القومي الأمريكي والتي اختارها الرئيس جورج بوش لوزارة الخارجية في فترة رئاسته الثانية.
السيدة جوليا لم تكن سوى جدة كونداليزا رايس. وهي نصف سمراء لأنها ولدت لأب أبيض وأم زنجية.
فعائلة كونداليزا رايس عاشت في ولاية آلاباما إحدى ولايات الجنوب التي ظلت معقلا للعبودية والتفرقة العنصرية ضد السود. ولكن رايس استطاعت أن تفرض نفسها لتصبح ليس فقط أول سيدة سوداء تتولى وزارة الخارجية بل إن البعض يتوقع أن تكون أول سيدة سوداء تتولى رئاسة الولايات المتحدة.
ويقول مؤلف كتاب (المرأة التي حطمت الجليد) إن كونداليزا رايس حققت ما حققته اعتمادا على ذكاء شديد وإرادة حديدية ورغبة مشتعلة في النجاح.
ففي عام 1987 كان برنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان يشارك في حفل عشاء مع مجموعة من خبراء السياسة الخارجية في جامعة ستانفورد الأمريكية.
شعر سكوكروفت أن الحوار تقليدي والكلمات مكررة حتى تحدثت استاذة شابة للعلوم السياسية في جامعة ستانفورد تدعى الدكتورة كونداليزا رايس.
يتذكر سكوكروفت هذه الواقعة فيقول (إنها كانت متمردة على كونها أنثى، أدركت وقتها أنها الشخص الذي أحتاج إلى معرفته).
ففي ذلك الوقت كانت الأحداث تتلاحق في الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية في أوروبا الشرقية تترنح.
وكانت كونداليزا خبيرة في الشئون السوفيتية. كما كانت تفهم تماما القوى السياسية في الاتحاد السوفيتي و(تعرف جيدا مع من يمكن لنا أن نتعاون ومع من لا يجب أن نتعاون) على حد تعبير سكوكروفت.
وعندما أصبح جورج بوش الأب نائب الرئيس رونالد ريجان رئيسا للولايات المتحدة خلفا لريجان عام 1989 أبقى على سكوكروفت مستشارا للأمن القومي.
وسارع مستشار الأمن القومي بضم كونداليزا رايس إلى مجلسه كمتخصصة في الشأن السوفيتي.
وسرعان ما أقامت رايس علاقة صداقة مع عائلة بوش. وبعد 12 سنة وصل جورج بوش الابن إلى رئاسة أمريكا واختارها كمستشارة للأمن القومي.
وكشفت رايس عن قدرة كبيرة على تفكيك الموضوعات المعقدة وتبسيطها وتقديمها للجالس في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في صورة واضحة تماما.
تقول رايس إنها ليست مدينة بنجاحها وإرادتها القوية لحركة الحقوق المدنية التي قادها السود في أمريكا في الستينيات بهدف إلغاء صور التمييز العنصري ضدهم خاصة في ولايات الجنوب وإنما مدينة بذلك إلى تراث عائلتها الذي ورثته جدتها جوليا بعد الحرب الأهلية الأمريكية. فقد كانت الجدة جوليا حريصة على تعليم أبنائها التسعة من أجل الخروج من دائرة القهر في مجتمع كان قد ألغى توا عبودية الزنوج على الورق ولكنه كان يمارسها في الحياة بأقصى صورها. وبالفعل أصبح أبناؤها ما بين مدرس ومحام وصيدلي.
وكان والد كونداليزا مدرسا وقسيسا في الوقت نفسه في حين كانت والدتها معلمة للموسيقى والعلوم لذلك اختارت لها اسم كونداليزا وهو اسم موسيقي من أصل إيطالي.
وعندما ولدت رايس في الرابع عشر من نوفمبر عام 1954 كانت تمثل الجيل الثالث من عائلة تلقى أفرادها تعليما جامعيا وتعيش في حي تيتوسفيل أحد أحياء الطبقة الوسطى من الزنوج في مدينة برمنجهام بولاية آلاباما.
وكان أبناء هذه الطبقة يحرصون على إرسال بناتهن إلى الجامعة أكثر من حرصهم على إرسال الأولاد لأنهم كانوا يرون أن البنت السوداء لن تعاني كثيرا من التمييز أو الاضطهاد من جانب الطلبة البيض الذين يرون أنهن لا يمثلن تهديدا حقيقيا لهم.
وكأغلب بنات ذلك الحي الذي يقطنه أبناء الطبقة السوداء في مدينة برمنجهام الأمريكية سعت كوندي إلى دعم ثقتها بنفسها استعدادا لمواجهة مجتمع لا يتعامل بود مع الزنوج من خلال تسليح نفسها بكل عناصر الثقافة الغربية فتعلمت الموسيقى واتقنت عزف البيانو ومارست رقص الباليه وتعلمت عددا من اللغات الاجنبية ومارست الرياضة وقرأت الكثير من أمهات الكتب.
في الوقت نفسه تجاهلت الحقيقة السائدة في ذلك الوقت وهي أنها تنتمي إلى طائفة الزنوج وهم مواطنون من الدرجة الثانية في المجتمع الأمريكي بشكل عام ولا تمتع بأي سلطة ولا توضع في حسبان أحد. وقد كرست الأم أنجلينا حياتها من أجل تكوين ابنتها كوندي فكريا وثقافيا بعد أن أظهرت نبوغا مبكرا. وبالفعل انتظمت كوندي في تعلم العزف على البيانو وحضور العديد من البرامج الدراسية والتدريبية في مجالات أخرى قبل أن تلتحق بالمدرسة فاعتادت البنت الصغيرة على ضبط نفسها والالتزام بما عليها من واجبات والحياة وفق نظام محدد. تقول كوندي:(عشت طفولتي في بيئة منظمة للغاية ولم أتعامل سوى مع عدد محدود من الأطفال سواء بالمدرسة أو في دروس الباليه).
تقول خالتها جيونا راي ماكفاتر التي كانت ناظرة مدرسة إن كوندي كانت منذ صغرها قادرة على تحديد هدفها بدقة والتركيز عليه.
ورغم أن أقاربها يقولون انها بدأت القراءة في مرحلة مبكرة من حياتها فإن كونداليزا تقول إنها قرأت الموسيقى قبل أن تقرأ الكتب. وتضيف: إن أمي وجدتي لابي وجدة أمي كن يعزفن على البيانو.
وقد كثفت الأم جهدها من أجل بدء المسيرة التعليمية لابنتها مبكرا.
فلما اكتشفت الأم أن الابنة قادرة على القراءة بطلاقة قبل أن تبلغ الخامسة من عمرها أرادت إلحاقها بالمدرسة في هذه السن المبكرة ولكن ناظرة مدرسة الزنوج الابتدائية في الحي رفضت إلحاقها لأنها كانت صغيرة جدا.
فقررت الأم الحصول على إجازة من العمل وتفرغت لتعليم ابنتها في المنزل حتى يأتي موعد التحاقها بالمدرسة.
وحتى تتأكد الأم من أن ابنتها موهوبة ونابغة أخذتها إلى الجامعة لإجراء الاختبارات النفسية لها وهناك أبلغها خبراء النفس أن (ابنتها ذكية جدا).
وعندما بلغت كوندي الرابعة من عمرها كانت تخصص قدرا كبيرا من وقتها لعزف البيانو وتعلم اللغة الفرنسية.
وكانت تمضي داخل البيت وقتا أطول كثيرا مما كان يقضيه أترابها في الحي الذي تربت فيه. وتتذكر اثنتان من جيرانها أنهما كانتا تقضيان ساعات طويلة انتظارا لخروجها للعب معا حيث كانت تقضي تلك الساعات في عزف مقطوعات لبيتهوفن أو موتسارت. وحتى عندما تخرج للعب خارج المنزل لم تكن تقضي وقتا طويلا عادة. فقد كانت تفضل اللعب مع والديها داخل المنزل.
وعندما التحقت بالمدرسة في السادسة من عمرها كانت قد أصبحت دارسة جادة للموسيقى وأكثر قدرة على الاستيعاب من أقرانها في الفصل.
وقد لفتت الانظار إليها بسبب نبوغها الدراسي وانضباطها وسلوكها القويم.
وقد كانت كوندي مرتبطة بوالدها بصورة كبيرة.
وكان الاب منذ صغرها حريصا على الدخول معها في مناقشات حول الأحداث الجارية وكيف أن هذه الأحداث تتفق مع قواعد التاريخ. في الوقت نفسه كان الرجل مغرما بلعبة كرة القدم الأمريكية التي تعلمها منذ طفولته حيث كان والده مدربا لها.
وكان الاب يريد أن ينجب ولدا يعلمه كل فنون وأسرار هذه الرياضة. ولما رزق بكونداليزا قرر أن يعلمها كل شيء عن كرة القدم الأمريكية. تقول كوندي (تعلمت الموسيقى من والدتي والرياضة والتاريخ من أبي). وعشقت هذه الرياضة منذ صغرها خاصة الجو الدرامي الذي يحيط بالمباراة وسعادة المنتصر وانكسار المهزوم. وفي هذا الوقت قالت لوالدتها (عندما أكبر سوف أتزوج لاعب كرة قدم محترفا). وفي محاولة أخرى من جانب والدتها لإكسابها المزيد من الثقافات ألحقتها بعدد مختلف من المدارس التي تقدم خدماتها لمجموعات عرقية مختلفة في الولايات المتحدة. وكانت الأم تقول لابنتها باستمرار: أريد منك دائما أن تكوني على القمة.
وقد تحولت هذه العبارة إلى قانون حياة صارم بالنسبة لكونداليزا رايس.
ورغم أن الزنوج حصلوا على حريتهم في الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية عام 1869 فإن الولايات الجنوبية رفضت الاعتراف بهذا الأمر.
وعندما حاول الرئيس الأمريكي هاري ترومان عام 1948 إلغاء القوانين العنصرية ودمج الأقليات العرقية وبخاصة الزنوج في المجتمع الأمريكي ثارت ضده الولايات الجنوبية التي كانت ترفض منح الزنوج حق التصويت في الانتخابات من خلال فرض قيود هائلة تحول دون ممارسة هؤلاء الزنوج الحق الذي كان الدستور الأمريكي يضمنه لهم نظريا.
وبالطبع فإن ذاكرة الزنوج الأمريكيين الذين عاشوا فترة ما قبل حركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن العشرين مليئة بكل صور المعاناة خاصة إذا كانوا قد عاشوا في ولايات الجنوب حيث التمييز العنصري كان أقرب إلى العقيدة الدينية.
وكان الأطفال الأكثر شعورا بالألم عندما يجدون أنفسهم محرومين من الذهاب إلى السيرك أو إلى متحف الولاية. وعلى الرغم من أن والدي كوندي كانا يؤيدان حركة الحريات المدنية إلا انهما كانا ضد تعريض الأطفال لأي ضرر في إطار هذه الحركة لذلك كانا يطالبان الأولاد بالبقاء في مدارسهم والانتظام بها بعيدا عن المظاهرات والاضطرابات.
كما كان الوالدان حريصين على شرح لماذا لا تستطيع كوندي الذهاب إلى السيرك لأنها زنجية. تقول كوندي (كان والداي يقولان لي إنني ربما لا استطيع الذهاب إلى السيرك وقد احتاج إلى السفر إلى أقصى شمال الولايات المتحدة حتى أجد فندقا يسمح لشخص أسود بالنزول فيه وأنني قد لا أستطيع تناول ساندوتش هامبورجر في مطعم لكنني أستطيع أن أكون رئيسة للولايات المتحدة في يوم من الأيام).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved