مائة يوم مرّت على اختطاف الصحفيين الفرنسيين كريستيان كريسنومن راديوفرانس، وجورج مالبورنومن جريدة لوفيغارو.
مائة يوم مرت من عمر مفاوضات لم نعرف منها شيئا، وغارات شنتها القوات الأمريكية في الأماكن التي كانت فرنسا تضعها كاحتمالات لتواجد الفرنسيين فيها.
مائة يوم لم نمل من الانتظار الطويل والصعب والكثير من الغموض عن الهدف الحقيقي من العملية كلها؟ مائة يوم من الجدل والتساؤل.
في البدء كانت البيانات التي صدرت عن المختطفين تطالب بإلغاء قانون الحجاب، وقد اختار المختطفون توقيتا دقيقا جدا في الوقت الذي كان فيه البرلمان الفرنسي سيصادق رسميا على القرار، ثم جاء البيان الثاني الذي بثته قناة عربية بأن حياة الفرنسيين ستتعرض للخطر باعتبارهما غربيين ولا فرق بين غربي وأمريكي! يجب القول إن التناقض الذي حصل من قبل المختطفين في تبني أهداف العملية ومبرراتها كان واضحا، وكان واضحا أن الضغط الإعلامي ساهم في (تغيير) المبررات، باعتبار أن فرنسا لم تشارك في العمليات العسكرية ضد العراق، ولا يوجد لديها جنود ضمن قوات التحالف، وعلى اعتبار أن فرنسا صنعت جبهة مناهضة للجبهة الأمريكية، فكيف يمكن التصديق أن مطالب المختطفين تدخل ضمن المقاومة؟ يجب القول إن الولايات المتحدة نفسها قامت بأكثر من مداهمة في المواقع التي كانت فرنسا تعتقد أن الصحفيين فيها، ولم تكن تلك المداهمات عادية، بل كانت قصفا عنيفا وشرسا على المواقع، إلى أن جاءت مجزرة الفلوجة التي (بالصدفة) تم خلالها العثور على السائق السوري في شوارع الفلوجة هائما على وجهه! من يقود هذا الحفل المقنع في العراق؟ من يقوم حقا بعملية الاختطاف والاغتيال؟ ليس من البديهي القول إن المقاومة العراقية التي قامت في ظروف استثنائية هي التي تطالب بتغييرات سياسية في دول بعيدة عنها استراتيجيا كفرنسا والحال أن للولايات المتحدة وحتى لبريطانيا أكثر من سبب لفعل ذلك، لأنهم يعتبرون المواقف الفرنسية إلى حد الآن (مخزية) وخيانية إلى أبعد حد.
الذي يهمنا أن ثمة من يوجد رهن الاعتقال بلا ذنب، نتكلم عن الصحفيين الفرنسيين وعن غيرهما ممن تم اختطافهما في ظروف غامضة من جهات كثيرة تريد إغراق العراق في مزيد من الفوضى لإبعاده عن أي فرصة للسلام أو للمصالحة الوطنية بين العراقيين أنفسهم.
لقد كان الجميع يتكلم عن جرائم صدام حسين وعن أساليبه الكثيرة في عرقلة تطلعات الشعب إلى الحرية والانفتاح الحقيقي على الغد وعلى الحياة. اليوم صدام انتهى إلى غير رجعة ومع ذلك غرق الشعب العراقي في أقصى درجات العنف والدمار الذي لم تشهده المنطقة من قبل، وغرق الشعب الأعزل في بركان العمليات العسكرية والانتحارية والانتقامية.
لأول مرة منذ سنوات طويلة يشعر العالم بالخوف من العراق، من ذلك الغموض الذي يسود فيه والذي يجعل عملية تحرير الرهائن لا تعني فقط حياة الصحفيين الفرنسيين فقط، بل تعني حياة الشعب العراقي كله الذي يعيش رهينة الأوضاع والاحتلال والبيانات المنمقة والضحايا التقليديين الذين يتكررون كل يوم، بنفس الملامح والكلمات
.(الاكسبريس) الفرنسية. |