Saturday 4th December,200411755العددالسبت 22 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

مَنْ يحمي حقوق المرأة العاملة؟ مَنْ يحمي حقوق المرأة العاملة؟
عبدالعزيز السماري

يتناقل الرواة معاناة بعض المواطنين في مهمة البحث عن عمل، ويؤكدها كثير عندما يتحدثون عن حقيقة ما واجهوه من ظروف مؤلمة في السوق. وتأتي قصص معاناة بعض المدرسين و المدرسات السعوديات أو خريجي كليات التربية كأحد أهم فصول هذه الروايات عندما يتوجهون إلى المدارس الخاصة بحثاً عن عمل في مجال تخصصهم. والمفاجأة التي عادةً تنتظرهم أن المدارس الاهلية في أحيان كثيرة تشترط راتباً شهرياً متدنياً جداً، قد لا يتجاوز الألف ريال.. وفي أحيان أخرى تشترط بعض المدارس عملاً بلا أجر.
تنتهي عادة فصول هذه المأساة إما برفض العرض أو بقبول المتقدم للامر الواقع وللوظيفة ذات الأجر القليل جداً ثم البدء في عملية التكيف مع ضنك العيش في مخاض اجترار الألم ومعاناة هضم الحقوق لفترة قد تطول، وقد تتطور إلى ظهور أعراض المشاعر السلبية كالإحساس بالقهر والاستغلال والكراهية والغضب ضد المجتمع. تتكرر فصول هذا الدراما المحلية في مؤسسات أهلية اخرى، ومع فئات عاملة مختلفة، لكن عدم وجود رقيب أو مؤسسات تحمي حقوق العاملين و تحصر أعداد المتضررين يؤدي إلى مزيد من استغلال ظروفهم، ومن التراكم في سلبية مشاعرهم.
إعتدنا منذ الصغر أن نقرأ عن الآخر البعيد وعن فلسفاته وأطروحاته الفكرية، وعن جذور نشوئها، و في أي أرضية تم تجنيد وقائعها و أحداثها ثم استغلالها من أجل أغراض دنيوية أخرى. فالتاريخ علمنا أن معظم الانشقاقات الفكرية كان مصدرها ما يحدث على ارض الواقع. يتحدث فلاسفة الاجتماع عن دور العلاقة بين هضم حقوق الآخرين واستغلال ظروفهم وبين نمو مشاعر الغضب و الكراهية، وعن وجود الروابط بينها وبين تاريخ الحركات المؤثرة في حياة الشعوب. هناك من ينفي هذه العلاقة جملة و تفصيلاً، ويحيل أسباب التغير الاجتماعي إلى العصيان والتمرد على أصول الامة أو إلى شيء من التطور النوعي في مركب الوعي الإنساني، لكن الأمر قد لا يخلو من شيء من هذا وذاك..
يرى البعض أن الإشكالية تكمن في انفصال تيارات الفكر عن ميدان الحياة العملية، فالفجوة عميقة بين نظريات الفكر الموروث وبين ما يحدث في ساحة العمل، فالفقهاء لا يكترثون بقضايا الواقع المعيشي أو بمشكلات جسيمة مثل تدني أجر الفرد أو حقه في العمل، إنما دأبوا على مخاطبة الناس من منابر أرفع وأبعد بكثير عما يحدث على الأرض. ما يؤزم الواقع المحلي، هو وجود عالمين من الفكر لا يلتقيان في تقاطع وهما عالم الفكر المجرد وعالم الواقع العملي. والفكر الإسلامي بكل مبادئه الأصيلة وثوابته لم يتجاوز منذ قرون إشكالية الصراع العقائدي إلى التفكير في واقع الناس من خلال شئون دنياهم، و لم يشفع استمرار ذلك التفرق لأربعة عشر قرناً في أن يصبح عالم الدنيا هو الواقع الذي لا مفر من مواجهة مشكلاته، وأنه لا يمكن أن يتحقق الاستقرار من دون الاعتراف به والاتفاق على أن كرامة الإنسان يجب أن تأتي دائماً أولاً..
لكن من الصعب الجزم بعدم وجود علاقة بين انشقاق الموروث وبين ما يحدث في حياة الشعوب من انفجارات ، حيث لا يمكن فهم مبررات الانشقاق في الثقافة الإسلامية، أو تاريخ النضال أو المقاومة في الثقافة الإنسانية بدون استيعاب أوضاع الأسرة ومشاعر الأمومة ومسئولية الأبوة، أي أرض الواقع في مهده ثم العمل بجرأة و بشجاعة على مواجهة تلك الظروف ومن ثم تحصين المجتمع أو الأمة ضد تلك الأحوال التي تدفع بالإنسان إلى الخروج على مجتمعه محملاً بالمشاعر السلبية كالغضب والكراهية والحقد والانتقام.. مبرراً ذلك الخروج بزهده في الحياة الدنيا وطلبه لذلك النعيم في الآخرة.
الأوربيون لهم تجارب مماثلة عندما اعتمدوا كثيراً في فترات زمنية سابقة على هذا الاتجاه من خلال التأمل الفلسفي المجرد الذي يعتقد البعض انه لم يرتبط بالواقع مما أبعدهم عن مواجهة ظروف الواقعية العملية في تلك الفترة واجّل مواجهة الحلول المجدية بشجاعة، وأفضى بهم إلى التشتت والضياع الفكري في دوامة الأفكار الفلسفية المجردة.. الأمر الذي جعلهم متأخرين عن الأمريكيين في تلك المرحلة والذين كانوا أكثر منهم عمقاً في مجال التفكير، عندما حسموا الامر مبكراً حين أسسوا آليات اجتماعية تسمح بمواجهة مآسي الحياة الدنيوية من خلال لغة الواقع ومجرياته، وليس عبر ظلمات الفلسفة المجردة أ والانشقاقات الظنية في عالم الغيب. اليابانيون هم أصحاب المنهج العملي المجرد حيث العمل الجاد الذي لا ينقطع والتشكيل المنظم الذي يستثمر الجهود الذاتية بشكل كبير ويصبها في الاتجاه العملي المكثف، وهو اتجاه ربما تطرف في تجريد العمل من الحس الإنساني، والإسكندافيون هم أصحاب الطريق الثالث والمنهج الاجتماعي القويم إذا تمت مقارنته بما حدث في التجربة الشرقية أو الغربية المحضة..
المرأة حسب توصيات جميع المنظمات الإنسانية والتنموية، تعد العنصر الأهم في برامج ومشاريع التنمية الإنسانية ورفع معدلات الوعي والتعليم، فعندما ترتفع مستويات الوعي عند المرأة، من خلال منحها مزيداً من فرص التعليم والمشاركة في الحياة العملية، تنخفض معدلات الأمية في الأجيال الجديدة، وتتراجع نسب العنف والجريمة، وتنتشر ثقافة العمل. ولكن عندما يُهضم حق امرأة عاملة محلياً، مَنْ سينتصر لها عندما تضع تلك المؤسسة مستقبل أسرة في مهب الريح، و مَنْ سيحميها من انحراف عواطفها المسالمة وثوابتها الآمنة، وإلى أي جهة سترفع دعوة المطالبة بحقوقها المشروعة إذا حاول أحدهم استغلال ظروفها القاهرة؟. فهل سترفع دعواها إلى وزارة العمل أم إلى مجلسها الاستشاري المكون من رجال الأعمال؟. وإذا حدث وقبلت العمل مجاناً أو براتب متدنٍ، كيف ستتحمل نفقات حياتها الأسرية إذا أدركنا ان منهنْ الأرملة والمطلقة! ومَنْ تتحمل نفقات أسرتها بالكامل. وفي أي إتجاه وتحت سيطرة أي ظروف ومشاعر ستربي أبناءها؟!. فبدون توفر مؤسسات أو برامج اجتماعية تؤمن متطلبات حياتها الضرورية وتحميها من الاستغلال سيفقد المجتمع أهم ركن من أركان استقراره وأمنه الداخلي وخط دفاعه الفكري والأسري.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved