للرسالة المكتوبة طعم خاص، إن أثرها وتأثيرها لا يماثلان أي رسالة (هاتفية) أو (إنترنتية)..!
ولبعض الرسائل المكتوبة مذاق متميز عندما تأتيك من إنسان جمع بين الأدب والحب، وعندما تتهادى إليك بخط يده، فتحسّ عند كل حرف بنبض المرسل. وعند كل فاصلة، بمشاعر المحبّر.
إنها تكون قطعاً أدبية لا أجمل ولا أصدق.
شاعر عربي، وصديق عزيز مغترب - رد الله غربته - دائماً يمطرني برسائله التي تفيض إبداعاً وصدقاً ومحبة، ذلكم هو الشاعر المعروف الصديق يحيى السماوي الذي يعيش منفياً عن بلده العراق، رد الله الأمن إلى وطنه، هذا الوطن الذي قال عنه عندما رآه بعد سقوط الطاغية وليته ما رآه بعد الغياب الطويل على مثلما رآه، (قتل وترويع وفوضى):
(هذا عراقُكَ يا (رشيد) كبا به
عَسْفٌ وأطماعٌ وفأسُ شِقاقِ
لو أن لي أمْري على قلبي فقد
عَجَّلْتُ من أفيائه بطَلاقِ
عَقَدتْ - ولا نَدَم - عليه قِرانَها
روحي فَمَهْري - غربةٌ - وصِداقي
أخْفَقْتُ في عشقي على رغم المنى
إنَّ التَغَرُّبَ مُنْتهى الإخلاق)
** هذا الشاعر لا يغيب (العراق) عن أضلاعه وجفنه وقلبه.. حتى في رسائله الخاصة تجد (العراق) حاضراً بين أهداب حروفها.
آخر رسالة وصلتني منه رسالة أُثبت هنا جزءاً منها لأنها - بالفعل - قطعة أدبية تفيض جمالاً وفي الوقت ذاته شجنا يقول فيها:
(كان بودي أن أضع بين يديك طاقة من ورود فرح يليق بسنديانة، بشاشتك وليس حزمة أشواك تخرّز أجنحة عصافير فضاءاتك الرحبة... ولكن ما حيلتي يا صديقي الأعزّ، إذا كان صبح العراق أكثر سواداً وعتمة من عباءة أمي، وإذا كانت حقوله أكثر يباساً وجفافاً من قبر أبي؟
أقبّل جبينك بفم المحبة، أيها النقيّ كصلوات نُسّاك عنيزة.
ليس حدساً مني ولا تهويمة محلق في فضاء خيالاته، إنما هو يقين قلب خَبَر تباريح قلبك وأمانيه.. أعني، دعاءك النقيّ، غِبَّ كل صلاة، وأنت تسأل الله تعالى أن يزيد من خضرة بساتين الأمة، وأن يثقل أشجار تلك البساتين، بعناقيد العافية والمسرة والطمأنينة والحبور، مثلما تسأله غبّ كل صلاة ألا يترك في هذا العالم طفلاً واحداً حافي القدمين، أو دونما دمية تليق بملعب طفولته.
هذا أنذا سيدي الأخ والصديق أشم عبير دعائك وأتنفس عطر أمانيك، فأقاسمك خبز محبتك).
* حقاً إن من البيان لسحراً..!
إنها رسالة خاصة ولكنها معبأة بالجمال والصدق والأدب والشجن أيضاً..!
وكم للشجن وللغربة من إبداعات..!
بين دمعة الرشيد
وقبلة المانع..!
** موقفان إنسانيان مؤثران من رجلين جليلين.. لم أشهد الموقفين لكنني سمعت عنهما فتأثرت بهما لقيمة الإيثار فيهما، ولانبثاق (الوفاء) بين نهريهما.!
* الموقف الأول: رواه الشيخ الأديب عبدالله بن إدريس عند وفاة د. ابراهيم الدريس أمين عام السياسة العليا للتعليم - رحمه الله - عندما جاء معالي د. محمد الرشيد معزياً، وعندما بدأ يتحدث عن الزميل الراحل تأثر كثيراً وطفرت (دمعة) غالية من عينه على زميله، فأثر وتأثر الحضور من هذه الدمعة الصادقة التي خرجت من عين الرشيد الإنسان لا الوزير.!
* أما الموقف الثاني: فقد رواه لي أخ كريم حضر حفل تكريم المتقاعدين بوزارة الصحة، وعندما قام د. عثمان الربيعة وكيل الوزارة للتطوير السابق يلقي كلمته عن المتقاعدين بعد خدمة بلغت (30) عاماً لم يملك راعي الحفل معالي د. حمد المانع وزير الصحة إلا أن يقوم من بين الحضور ويذهب إلى الربيعة ليطبع على جبينه (قبلة الوفاء والامتنان) مطلقاً عليه لقب (حكيم الوزارة).
لقد كان موقفاً بالغ التأثير، نفى الأثرة، وجسد الإيثار.!
كم تتوشح النفس الإنسانية برداء الارتياح عندما ترى أو تسمع مثل هذه المواقف من الرجال الكبار، إن مثل هذا المواقف - في مثل هذا الزمن الجاف - من شأنها أن ترسخ وشائج التواصل، وتنمي شجرة المحبة، وفي الوقت ذاته هي حفز للآخرين على المزيد من كوثر العطاء ونمير الابداع.!
نموذج
من الفراغ الفضائي..!؟
** لم ينقض عجبي منذ مشاهدتي المحدّث (الفضائي) الذي حاول أن يخلط الأوراق في سبيل الدعوة إلى أفكاره.
لقد غشيت عيني غمامة من ألم وهو يدّعي فهم الدين وهو لا يفرق بين كلام الله وأحاديث رسوله، حيث قال - كما شاهد وسمع الناس - أن الله يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
لقد هزلت!
لقد - أصبح - بسبب (فراغ الفضائيات) كل يتحدث فيها عن الدين العظيم حتى أولئك الذين لا يميزون بين آيات القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
والله المستعان..!!