وردني خطاب كريم من الأستاذ محمد بن عبد الله العمري منسق الإدارة العامة للحماية الاجتماعية، حيث أوضح أنه قد تم إنشاء ادارة عامة للحماية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية بهدف حماية الأطفال والنساء والفئات المستضعفة من الايذاء والعنف. وقال في معرض رده: (صحيح ان هناك لجنة مهمتها وضع نظام لحماية الأطفال وأنا أحد أعضائها، ولكن كنا نتمنى أن تكون هناك لجنة للحماية الاجتماعية لإعداد نظام لجميع الفئات المحتاجة، فالطفل جزء من الأسرة والأسرة جزء من هذا المجتمع.. وبعض الدول كالأردن وقطر لديها مجلس أعلى لشؤون الأسرة، نتمنى أن يكون لدينا هذا المجلس لينضوي تحته ما يخص الطفل والمرأة والمسن والمعاق وغيرهم)..انتهى.
ولعل الأستاذ العمري يعذرني - ومعي كثير من القراء - عن جهلنا بإنشاء الإدارة العامة للحماية الاجتماعية، بينما في المقابل سمعنا عن حالات إيذاء لأطفال وضرب لزوجات ولم نر مبادرة من (إدارة الحماية) ولم نلمس جهودها، وليعذرني - مرة أخرى - حين أقول: وما جدوى تكوين اللجان وإنشاء الإدارات في ظل استمرار أشكال العنف التي نشاهدها في المجتمع سواء كان ضحيتها الزوجات أو الأطفال والتي تصدر من رب الأسرة وحاميها!!
وإن كان الحديث حول العنف والايذاء قد زاد وازدادت حدته في الآونة الأخيرة فلا يعني عدم وجوده في وقت مضى بل إن الكيل قد طفح واستفحلت هذه الظاهرة وبرزت حتى وصلت مستويات العنف درجة الموت والهلاك، وهذا ينذر بكارثة إنسانية يمارسها البشر ضد بعضهم، بينما تلك اللجان والإدارات مازالت تشرع في تأثيث مبانيها!!
ولسنا في مجال التنظير بقدر الحاجة الماسة لإيجاد الكيفية والسبل لمواجهة هذه الظاهرة والتغلب عليها من خلال وضع الإجراءات الإدارية الحازمة، وسن التشريعات القانونية والنظامية والقضائية الصارمة للحد من العنف الموجه ضد الطفل. بل القضاء عليه نهائياً سيما ان الإسلام قد كفل وحفظ حقوق الطفل وحماية مصالحه من جميع الجوانب المعنوية والمادية.
وإن كان من الطبيعي أن يكون للوالدين الأحقية في تربية أطفالهم وتوجيههم وحمايتهم من المخاطر، إلا أنه من المتفق عليه ان الإفراط في فهم حق الوالدين نحو فلسفتهم بتربية أولادهم وحريتهم المطلقة قد ينجم عنه الإساءة للطفل، وهنا ينشأ الخلل في المعادلة بين التأديب والإساءة!! علماً أنه قد يخفى علينا نوعية تلك الإساءة، أو مكوناتها أو تنوعها أو خصوصية وكمية انتشارها.
ولابد أن ندرك أن هناك عدة بواعث قد تدفع المحيطين بالطفل للعنف ضده أهمها الجهل بأصول التربية وسلبيات العنف الجسدي والنفسي.. اضافة إلى الضغوط النفسية عند الوالدين أو المربين كالإحباط، والفشل، والحرمان، ومحاولة إثبات الذات، وحب السيطرة، والخوف، والانتقام والضغوط الاجتماعية كالفقر، والبطالة، وتعاطي المخدرات والخلافات الزوجية.
ولابد من معالجة العنف كمرض نفسي وخلل سلوكي قبل مقاومته كونه رد فعل أو انفعالاً أو دوافع ذاتية، ومن المؤكد أن الشخص الذي ينحى منحى العنف في تصرفاته يعد مريضاً يحتاج للعلاج، ويحتاج لتصحيح المفاهيم لديه، ومعروف لدى الجميع أن ظاهرة ايذاء الأطفال محلياً وعالمياً ليست بالجديدة بل هي قديمة، ففي عصر الجاهلية كان هناك وأد للبنات وقتل للأطفال خشية إملاق، وتفضيل الذكور على الإناث. وحين بزغ فجر الإسلام وصححت الأفكار وتم علاج النفوس قضي على تلك المظاهر السيئة كونها جرائم إنسانية وليست عادات كما كان ينظر لها في الجاهلية حيث نزلت فيها آيات قرآنية حرمت تلك السلوكيات ووصفتها بالجاهلية وتوعد الله عز وجل مرتكبيها بأشد العقوبات.. بينما استمر العنف منذ مئات السنين وحتى عصرنا الحاضر وأخذ أشكالاً متعددة أكثرها شيوعاً وانتشاراً الإيذاء النفسي (اللفظي) والإيذاء البدني (الجسمي) والإيذاء الجنسي والإهمال.
المقال القادم إن شاء الله - سيتم طرح الحاجة الملحة لمسوغات إنشاء المجلس الأعلى للأسرة والطفولة والدور المتوقع منه.
ص.ب 260564 الرياض 11342
|