رغم ما قامت به اللجنة العامة للانتخابات البلدية من جهود مضنية في الإعلام والإعلان عن الانتخابات البلدية، في مدن الوطن كما يبدو، فإن الأمر ما زال في حاجة أكبر وأوسع. لقد كان عامل الوقت هو المسيطر والقاصم، وقد كان بالإمكان التوقيت المبكر بعد إعلان الملك خادم الحرمين، عزم الحكومة على إجراء انتخابات المجالس البلدية. وأيا كانت الأسباب أو المبررات أو الدواعي، فإن تدارك الأمر بحملة إعلامية مكثفة جدا في وسائل ووسائط الإعلام والإعلان هي ما قد يكون خطة إنقاذ عاجلة لحث المواطنين على المشاركة الكاملة في قيد أسماء من هم ضمن الإطار القانوني لمتطلبات القيد من حيث السن والحالة العملية، ليس لمدينة الرياض فحسب بل للوطن بأكمله.
ولكي تتم عملية الإنقاذ هذه ومنع فشل الانتخابات البلدية بصرف النظر عن توجهات بعض الفئات في المجتمع في نظرتها السلبية عن الانتخابات أيا كان نوعها فلا بد أن يكون لقادة الرأي من الكتاب والمفكرين وأساتذة الجامعات والمعلمين والمعلمات والقيادات الإدارية في مؤسسات الحكومة والقطاع الأهلي والمؤسسات المحلية كالغرف التجارية والنقابات المهنية. ولعل خطباء الجوامع وأئمة المساجد خير من يقوم بهذا الدور. فإن الله إذا أراد بأمة خيرا ولى عليها خيارها. وهذا هو هدف النظام السياسي والحكومة وخيار الشعب.
فلقد بات هذا الخيار ديدناً في الممارسة اليومية لدور الانعقاد التشريعي في مجالس الحكم المحلي وقمة القيادة، وفي مهنية وممارسة الجمعيات المهنية العلمية التي ترتبط في أغلب حالها بالجامعات السعودية. ولا يمكن إغفال الدور المتعاظم الذي يمكن أن تلعبه الصحافة المكتوبة والآلية وقنوات البث. ولعل شاهد الحال هنا قد برز في عملين محترمين قامت بهما الجمعية السعودية للإعلام والاتصال وصحيفة الرياض.
الجمعية السعودية للإعلام والاتصال هي الجهة الرسمية ذات الطابع المهني والمنهجي في تقدير ووضع الأطر المنهجية لمتطلبات العمل الإعلامي والاتصالي معرفياً وثقافية من قبل من تخصصوا في حقول الإعلام من صحافة وإذاعة ووسائل إعلام وإعلان وقياسات للرأي وعلاقات عامة وتلاقح الثقافات والتسويق والتشويق وتحليل المواقف والدوافع والتصورات. وهي هنا نقابة مهنية تطور المهنة معرفيا واحترافا وتدرب الممارسين تدريبا بجمع بين صرامة المنهجية وجدية الضبط لمتطلبات واحتياجات التخصصات، وبالتالي إجازة الحقائب التدريبية حتى يكون الحال بعيدا عن أسلوب التسويق الرديء لمفاهيم خاطئة عن التدريب من خلال التجريب الذي لن يأتي إلا بثقافة كسيحة في مهارة الأداء وربما في فهم أساسيات المعرفة؛ ولهذا فقد كان من ضمن هياكل الجمعية مجلس للتدريب يقر السياسية التدريبية، ويعتمد الدورات ويقيم ويعتمد المادة العلمية التي هي مجمل الحقيبة التدريبية التي سوف تقدم للمتدربين تحت مظلة واسم الجمعية. لقد قامت الجمعية خلال هذا الشهر بإعلانها عن دورات تدريبية، لكن ما كان الحدث هو إعلانها أنه إسهام منها في التوعية بثقافة الانتخابات والمشاركة الشعبية؛ فقد أقدمت على تنظيم دورة تدريبية لإدارة الحملات الانتخابية. هذه المبادرة هي عمل مشكور ومذكور ومدعاة للإشادة، فالوطن كله والي نهاية العام الهجري الحالي في سباق مع الزمن لخوض تجربة الانتخابات البلدية كخطوة ستليها خطوات مماثلة بحول الله، فقد بات هذا استحقاقا تدعمه الدولة وتقول به حقائق الواقع المعيش الذي يجسد حالة النماء والنمو الفكري والسياسي والاجتماعي لغالبية الشعب السعودي خصوصا عند النظر إلى أن أغلبية المواطنين هم في فئات عمرية شابة، متعلمة ومتمدنة.
ولعل ما قامت به جمعية الإعلام والاتصال يزيد من مصداقية وجدية ما سوف يقدم من تدريب على إدارة الحملات الإعلامية للانتخابات البلدية إلى المستهدفين بالتدريب، وهذا سوف يتيح المجال للمتدربين من الحصول على كم من المعلومات المعرفية مقرونا بآخر من الخبرات المهنية بالممارسة العملية الميدانية ليس في مجال البحوث والدراسات، بل من خلال ما قد قام به المدربون المنتسبون للجمعية من أعمال ومشاركات.
أما صحيفة الرياض فلعل فيما نشرته من إعلانات توعية ونداء للشعب بضرورة المشاركة في الانتخابات البلدية أمر محمود ولعله عمل يحتذى من قبل بقية الصحف. لكن يبقى دور الاتصال الشخصي أمراً بالغ الأهمية، ولا أغفل هنا ما قام به رئيس لجنة الانتخابات العامة أستاذ الإدارة بجامعة الملك سعود الدكتور الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز ورفاقه أمثال نائبه المهندس محمد النقادي والعضو النشط الدكتور صالح المالك من ظهور في الإذاعة المرئية والمسموعة وفي منتديات بعض المبرزين من قادة الرأي في عاصمة الوطن أمثال المعلم العلم عثمان الصالح، أعزه الله، والمحامي القدير محمد المشوح والمهندس معن الجاسر في منتدى أبيه حمد الجاسر، غفر الله له، كذلك فقد قامت مكتبة الملك عبد العزيز العامة بإقامة ندوة جميلة الأسبوع الماضي. أما على المستوى المحلي لمنطقة الرياض فإن الإشادة بما عملته أمانة مدينة الرياض ومديرية الشؤون القروية بقيادة الدكتور المهندس أمين المدينة عبد العزيز بن عياف آل مقرن، والمهندس أحمد التويجري والمهندس محمد آل الشيخ وبقية الكوكبة من رؤساء البلديات في المدينة والمنطقة هو عمل رائع وجميل، فقد باشر هؤلاء الرجال الأخيار عملهم بمنتهى الجدية والجودة والدقة رغم عامل الوقت، فلهم جزيل الشكر والامتنان .
صمت الجامعتين في الرياض هل له مبرر؟
كثر هم أساتذة الجامعتين الذين استعانت بهم وزارة البلديات ليكونوا رؤساء مراكز انتخابية، وهذا عمل مقدر، فلا شك أن غالبية من أساتذة الجامعات أكثر قدرة ووعيا ومسؤولية للقيام بمثل هذا العمل.
لكن التساؤل ما زال قائما: لماذا صمتت الجامعتان: الملك سعود والإمام محمد بن سعود؟ وكأن الأذان في مالطة بالنسبة لهما، أقال الله عثرتهما وعجل بالفرج. أليست الجامعتان في كل واحدة منهما مركز انتخابي؟؟ أليس في كل منهما قاعات ضخمة تستوعب مئات؟؟ ما الذي منع هاتين المؤسستين من الإسهام في عقد جلسات ونقاشات لإثراء الفكر الانتخابي على الأقل لدى آلاف الطلاب - الطالبات وتوسيع دائرة الحوارات الشعبية والفكرية؟ أليست الجامعات هي مراصد فكرية ومصانع إنتاج لقيادات الوطن على مدى توالي الأجيال؟
في ظني أن صمت الجامعتين غير محمود ولا ممدوح. ولعلي أدعو باسم أخي منصور بن متعب الجامعتين إلى سرعة الانخراط في العمل الشعبي وعقد عدة ندوات فيما تبقى من زمن قيد الناخبين، وما سوف يليه من الترشح ومن ثم ممارسة الاقتراع بالتصويت لاختيار نخبة من النخب التي سوف تتنافس تنافسا شريفا من أجل أداء عمل خدمي يرتقي بالعمل البلدي وخدماته وأعماله.
والشيء بالشيء يذكر، فما بال الرئاسة العامة لرعاية الشباب لم يحرك الأمر لديها ساكنا؟ أليست الأندية الرياضية مؤسسات وطنية تمارس أنشطة بدنية وذهنية من جل الشباب؟ ما بالها لم تستقطب منتسبيها وجماهير الرياضة لتبث فيهم الدعوة لممارسة حق القيد في سجل الناخبين والاقتراع لاختيار من يحظى بالكفاءة وثقة الناس من جماهير الأندية؟ والحال لن يستثني الجمعية السعودية للثقافة والفنون، وكذا النادي الأدبي في الرياض. هذا الرأي والمقال معنية به الرياض عاصمة الوطن الإدارية، المدينة العينة المثال للوطن بتناغم وتساوق كل ألوان الطيف الوطني. وهي بنفس المدار والاستدارة والدور موجهة للعاصمة المقدسة مكة المكرمة، زادها الله تشريفا، وطيبة الطيبة سيدة الكون ونوره ومستقر إمام دعوة التوحيد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولكل بقية أركان الوطن السعودي الجميل بأهله وحضارته وتراثه. فهذا زمان الجد والشد والعد والأمل. هذا موقع اختبار قوى لصورة وطننا وشعبنا أمام العالم في أخذ الاستحقاق والخيار الديموقراطي الحر للتعبير عن الرأي الحر القوي السديد، وممارسة الشراكة مع الحكومة في تحمل مهام بلدية تفسح المجال للسياسة العامة أن تبني أكثر وأكثر من أجل الرقي بالوطن وتنويع مشارب التفكير في التخطيط والرقابة والتنفيذ والمتابعة والتقييم. إلى كل من سبق: أهلا بكم في وطنكم، ووطنكم بحاجة لسماع الصوت، ولا صوت بلا تسجيل، ولا تبجيل لمن ليس له تسجيل.
كل هذا مجير مني مع التحية إلى لجنة الانتخابات العامة، ومنهم والقيمة بالحساب إلى والدنا الإداري النابه الصارم متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية الذي سيكون توقيعه على نتائج الانتخابات من أهم الأعمال التي يقوم بها في الشأن البلدي لا أهمها.
* باحث ومستشار إعلامي
|