يقول علامة الجزيرة (وليس من المبالغة القول بأن الشعر الشعبي في نجد أقرب إلى الطبيعية وأصدق في التعبير وأرق في الإحساس من كثير من الشعر الفصيح ذلك أن الشعر الفصيح تكثر فيه الصنعة ويبرز فيه التقليد أما الشعر الشعبي فإنه يعبر عن سجية وعن طبيعة).
هذا الكلام جال وصال في ذاكرتي وأنا أقرأ تعقيب الأخ عبد الله السبر يوم السبت 1-10 العدد 11734 على كل من الاخوة العقيلي والمطلق وأنا هنا أشاطر وأشايع الأخ السبر على ما ذكره عن كتابة سليمان العقيلي الذي دافع عن العربية وهو يتقد حماساً غير مقنن! ولا يستند على أرضية صلبة! فالمسألة - وأعني العقيلي - ليست فصحى وعامية وتأثيرا وهدما، القضية تتعلق ببعد النظر وسلامة المقصد فرغم احترامي لما كتبه العقيلي عن تأثير العامية على الفصحى إلا أني اعتبره عبارة عن حطب ليل! ومتاع مسافر! يشوبه حماس الشباب، لقد تناول هذه القضية يا أخي العديد من المفكرين والنقاد والأدباء واجمعوا على أهمية الشعر الشعبي ولم يحاولوا المس له بشيء من الشتم فالأدب الشعبي يا أخي له حضوره الفاعل رغماً عن الحواجز الكثيرة التي توضع أمامه لأنه وببساطة صوت المجتمع إزاء الأشياء من حوله وباللغة التي يفهمها ويتعامل الإنسان العادي في يومه وأثناء اتصالاته وعلاقاته، كما يذكر الناقد الشعبي سليمان الفايز والشعر الشعبي هو أحد المصادر الثقافية وهو يمتاز بجودة رصده للمسميات بأسمائها من أمكنة وأدوات وأشخاص ثم إنك لو دققت في (معظم) مفردات الشعر الشعبي لوجدت انها كلها عربية بفارق بسيط في حركة هنا أو سكون هناك أو إضافة حرف هنا أو قلب كلمة هناك كما ذكر ذلك العديد من الأدباء والنقاد منهم ابن خميس ومحمد الجلواح، ولعلنا نتفق أن الشعر الشعبي أفضل له أن يسمع مباشرة من صاحبه لا أن يقرأ أو ينشر في كتاب، وفي تصوري يبقى الشعر الشعبي النبطي أحد الروافد الثقافية في تراثنا الفني الأدبي العام، من زاوية أخرى يوصم الشعر العامي نبطيّه وشعبيه بعدم الثقافة وهذا تجن سافر عليه فكيف يكون غير مثقف وكتابه المعاصرون من حملة الشهادات العليا وحتى ما يكتب في الماضي لم يكن أمياً بمعنى الأمية وإن كان يقال ارتجالاً فذلك ليس مبرراً قاطعاً لأميته حيث نجده رغم بساطته التعبيرية يختزل ثقافة مجتمع يتمثلها الشاعر بمفاهيمه وآرائه وعاداته وقيمه واتجاهاته وانماط سلوكه وكل ما يشكل شخصيته التي تمثل صورة مصغرة لمجتمعه بإرثها الثقافي والفكري حتى أننا لا نكاد نعدم الحكمة والخبرة والتجربة البليغة فيه فضلاً عن البلاغة وإنما عن سجية اصيلة توارثها من آبائه وأجداده القدماء الذين كانوا يقرضون الشعر الفصيح الموزون البليغ دون دراسة علمية في جاهليتهم واسلامهم فما بالنا الآن بالشعر النبطي الحديث الذي يكتبه استاذ الجامعة والأديب المفوه والمثقف والذي صنع بأساليبه ولغته وصوره وأخيلته وموسيقاه ومضامينه واتجاهاته مدارس شعرية لا تختلف عن مدارس الشعر الفصيح من الرومانسية والكلاسيكية والواقعية والرمزية لأنه نتاج فكر انساني ورافد من روافد المد الأدبي لثقافتنا المعاصرة والشعر النبطي الحديث وهو ينطلق مع تيار التجديد لم ينسف الصالح من القديم بل احتفظ به واضاف عليه ما يلبسه ثوباً جديداً لا يطمس معالمه القديمة ولا يشوه رسومه المأثورة فقد دخل عالم التجديد من بوابة الشعر القديم ليعيد إليه نشاطه وشبابه ويساعده على استئناف رسالته في الحياة وهذا هو التجديد الصحيح والصحي وهذا ما تطرق إليه وتناوله الناقد عبد اللطيف الوحيمد بشيء من التفصيل في احدى رسائله النقدية، والشعر الشعبي يعتبر رافدا من روافد الثقافة العربية وخاصة إذا ما بقي على اصالته ولم يدخله شيء من التحريف لذلك يعتبر من الروافد القوية للدراسات الجغرافية في بلادنا ومن هنا يجب العناية بهذا الشعر والمحافظة عليه من العبث والضياع، العبث به بتغير بعض نصوصه، فيصبح غير ذي دلالة على ما قصد منه من يعنون بدراسة اللهجات أو المهتمون بالحوادث التاريخية إذ كثير من رواة هذا الشعر في أيامنا صاروا يعتنون به فيغيرون لهجاته، ويدخلون في نصوصه ما يقلب معانيه ظهر البطن، فقد يدخلون كلمة في قصيدة مدح فتصبح هجاء!! والعكس. أما الضياع فينبغي أن تكون طريقة نقله على أساس صحيح اما بالاعتماد على نصوص قديمة مخطوطة أو التلقي من رواة موثوق بهم، وهناك معارك وحروب وأحداث أغفلها كتاب التاريخ ولم يغفلها شعراء الشعر الشعبي بشبه الجزيرة العربية والخليج العربي.
والشعر الشعبي له حضوره في مختلف المجالات سواء في المجال السياسي أو الديني أو الاقتصادي أو الاجتماعي وكذلك في وصف الرجال وشهامتهم وكرمهم.. أيضاً للشعر الشعبي حضور في المجالس الأدبية والمنتديات الأدبية وكذلك المجلات وصفحات الجرائد، وموجز القول: إن الشعر هو الشعر فصيحاً كان أم شعبياً يقوله الشاعر ليعبر للآخرين عما يختلج في نفسه فالشعر الفصيح والشعبي كلاهما وليد النفس الإنسانية يستخدم اللغة الفصحى أو اللهجة كحوار لنقل أفكاره وصوره للآخرين وكل كلام يوجد وزن وموسيقى يعتبر شعراً ولا يفرق بين الشعر الشعبي اضافة إلى الصدق الفني الذي يتضمنه هذا الشعر.. شعر أم زجل ومن وجهة نظري المتواضعة اعتبر الشعر الشعبي رافدا من روافد الثقافة العربية يجب المحافظة عليه.
وقبل أن انهي الحديث عن المنعطف الأخير يجب أن نتفهم أن الشعر الشعبي أصبح واقعا يجب أن نتعايش معه كحقيقة واقعة وظاهرة صحية، وإن كان هناك مواطن ضعف في الشعر الشعبي فلاشك أن افتقاره للنقاد والنقد الجاد هي أهم مواطن الضعف في هذا الشعر ففي تصوري أنه لا يمكن أن ينهض هذا الشعر دون وجود نقد ونقاد وأخيراً يبقى ما ذكرناه هو بعض الحقيقة.
عبد الله بن سليمان الربيعان
القصيم - الشيحية |