طفلة باردة القيظ اذا
معمعان الصيف أضحى يتقد |
هكذا تغزل الشاعر عمر بن أبي ربيعة في محبوبته وقد كان ينتمي إلى أسرة غنية كريمة من قريش وكان أبوه عبد الله والياً لبعض مناطق اليمن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وسمي بالعدل وهو الكفء لانه كان يكسو الكعبة وحده عاماً وتكسوها قريش كلها عاما آخر فالتهيام والعشق قد يكون بالمحبوبة وقد يكون للمكان وغيرهما وقد قالت امرأة ذات زمن مضى قصيدة جميلة:
هنيت منهو سكن بطريف
باع الغنم واشترى فله |
وطريف هي تلك المدينة الساحرة والطفلة الباردة صيفاً في أقصى الشمال السعودي والتي تنتمي الى منطقة الحدود الشمالية فهي تقي الانسان قيظ الصيف ومعمعانه وهذه المرأة الشاعرة كانت تتمنى في قصيدتها طيب الاقامة في هذه المدينة بعد أن يمن الله عليها ببيع شياهها التي طالما جلبت لها الصداع ومرارة العيش وصلف الصحراء وقساوة الزمن، هذه الفترة التي امتدت بها للعيش ما بين رعي الغنم وتربية الاسرة وترغب في الراحة في منزل فله الذي بلاشك سيعوضها عن سنوات الحرمان التي سببها لها نصب الصحراء ويجلب لها الراحة النفسية كبنات جيلها المدنيات ولم تكتفي بذلك بل لديها الرغبة في حياة هادئة حتى ترتب افكارها وتطيب لها حسن الاقامة وتقضي ليلها في سمر وفرح وهدوء ولكنها لم تدرك القيمة الحقيقية للغنم والتي جمعت قلوباً كثيرة من العشاق لانها كانت الرابط الاصلي والسبب المباشر والحدث العاطفي الذي ادخل الحب والجنون إلى عقول كثير من الشعراء كمجنون ليلى الذي لم ينله الهزال والجنون وتغير اللون إلا من العشق وقيل انهما نشآ صغيرين يرعيان الغنم وقد قال الشاعر:
تعلقت ليلى وهي ذات تمام
ولم يبدو للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت اننا
الى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم |
وكذلك كثير عزة وكان سبب دخول الهوى بينهما ان كثير مر بغنم له ترد الماء مع نسوة فأرسلنا له عزة بدريهمات لتشتري بها كبشاً لهن فنظرها نظرة متأمل فداخله منها ما كان، فرد الدراهم وأعطاها الكبش وقال: لا اقتضي الا من عزة، فقلنا له ليس فيها كفاءة فاختر إحدانا فأبى وأنشد:
نظرت اليها نظرة وهي عايق
على حين ان شبت وبان نهودها
نظرت إليها نظرت ما يسرني
بها حمر انعام البلاد وسودها |
وكان عفيفاً في حبه قيل له هل نلت من عزة شيئاً طول مدتك فقال: لا والله، إنما كنت إذا اشتد بي الأمر اخذت يدها فإذا وضعتها على جبيني وجدت في ذلك راحة، فاشتعل الحب في قلبه وشفه الوجد وابلاه الكمد فزوجت من غيره فلاقى من حبها الأمرين حتى توفي في المدينة كتلك المرأة التي عشقت هواء (طريف) وطيب وكرم أهلها فإنها تتأمل وجود الراحة عندما تتنفس تلك الرائحة التي تتعطر بها أوديتها من رائحة الزعتر والشيح والقيصوم وفياضها التي تزخر بالربيع الخلاب فالمودة والعشق ليسا مقصورين على الحبيبة بل يشملان الزمان والمكان وقد بلغ هذا الارتباط من الشاعرة مبلغه كما قال الشاعر عبيد بن الأبرص:
فقلت لها: لا تعجبني إن منزلا
نأبتني به هند إلي بغيض |
فالشاعر يقصد انه يحب هذه الديار أو يبغضها لا لذاتها بل لوجود الحبيبة فيها أو لهجرها إياها، وكذلك الشاعرة التي تتمنى بتلك الأبيات فهي تحب هذه المدينة لوجود الأحباب بها والأصحاب والأقارب وهي الرابط الأساسي الذي جعلها تطلق تلك الأمنية التي لا نجزم انها تحققت لها وبات الناس والرواة يرددون هذه الأبيات اليتيمة لها كلما جاء اسم مدينة طريف على شفاههم.
|