ثمة طريقان لا ثالث لهما طريق التوبة والإنابة والعودة إلى الله، أما الطريق الآخر فهو طريق الانحراف والوقوع في الخطيئة والعصيان قال تعالى: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا} فالله يريد لنا طريق التوبة والإنابة والخلاص من المعاصي، أما الدعاة على موائد الشهوات بكل أصنافها يريدون الميل إلى تلك الشهوات ميلاً ليس بالقليل بل العظيم والعظيم جداً، يريدون أن يصل الإنسان إلى درجة الحيوانات فينسلخ من إنسانيته التي كرّمه الله بها.
فنعمة التوبة نعمة عظيمة جداً بل هي من أعظم النعم، فهل ثمة نعمة هي أعظم من أن تكون توّاباً رجّاعاً إلى الحق، مهتدياً على مراد رب العالمين وعلى سنة خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم.
ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه لِمَ يتساقط المتساقطون؟ لِمَ نرى الرجوع من منتصف الطريق؟ والعامة تقول (جادة الطوع طويلة) وصدقوا- والله - نعم هي طويلة فليس لها تاريخ نهاية الصلاحية، وليس لها محطة في رحلة العمر يمكن أن تقول إنها تنتهي عندها، ليس لها ذلك كله إلا بموعد واحد ألا وهو خروج الروح تلك اللحظات العصيبة، فقد قال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} وهو الموت، نعم (جادة الطوع طويلة).
نرى من لا يكمل هذه الجادة وهذا الطريق! لذا ثمة من يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، أتدرون لِمَ هذا؟ إن لذلك أسباباً كثيرة جداً ولكن منها أن التوبة لم تكن خالصة لله وحده، إما لوظيفة أو لزواج أو لمال وغير ذلك من عرض الدنيا، لذا على الآباء والأمهات والمربين عموماً أن يعلّموا النشء حقيقة التوبة بصورة واضحة لا غبش عليها، ومنها أن يتوب وهو لم يقطع صلته بماضيه كأن لا يغيّر أصدقاءه، أو لا ينفك عن ارتياد مكان المعصية، أو أن يحتفظ من باب الذكرى بشيء (ما) يذكّره ويربطه بالمعصية، ومنها أن يتعلق بشخص (ما) فلا يرى الحق إلا ما قاله ذلك الشخص وما نادى به، فيغلو فيه غلواً كبيراً قد يصل إلى التقديس والتنزيه والعياذ بالله، فإن مات ذلك الشخص تجده ينقلب على عقبيه، وكم هو عظيم موقف أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- عندما قال كلمته المشهورة بعد وفاة سيد ولد آدم صلّى الله عليه وسلم حين قال (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت) نعم صدق -والله- الارتباط ليس بالأشخاص بل بالله الحي الذي لا يموت.
zjardan@Ayna.Com |