أحداث وصغار في عمر الزهور يعلو وجوههم الشحوب والإرهاق والعنت، تعشق الإشارة الحمراء بقدر ما تمقت تلك الخضراء، تنتقل من سيارة إلى أخرى في حركات وجلة بطيئة وخطوات مترددة وئيدة، تطرق شباك السيارة لتلفت نظر السائق الذي قد يبدو على وجهه إمارات الامتعاض وتظهر على قسماته علامات الاستياء فلا يلتفت غالباً لذل الطارق ومسكنته والتي تحكيها ملامح وجهه ربما تمثيلاً وليس صدقاً، ولكن بدافع العطف والشفقة يفتح بعضهم زجاج النافذة ليجود عليه ولو بشيء يسير، ولكنه (أي ذلك المتسوِّل) يعتبره محصولاً جزيلاً، وغنماً كبيراً حظي به، وحينما تنقلب الإشارة إلى الخضراء سرعان ما ينطلق بعدها إلى الجانب الآخر ليعيد الكرة مرة أخرى في التنقل بين المسارات وأصحاب السيارات أعطوه أو منعوه.. هؤلاء الصبية القصر ليس مكان إقامتهم في الشوارع وبين الإشارات وتحت أشعة الشمس، يمتهنون التسوّل، ويستجدون عطف الناس، ولكن بيئتهم الحقيقية في كنف المدارس وداخل حجرات الدراسة لاستثمار الوقت والتعلم وبناء الذات. إن عطاءنا لهم بدافع الشفقة والرأفة وحب الخير سيكون تكريساً لهذه العادة المقيتة لديهم وستقتل فيهم كل إحساس بالحياة الكريمة وتطلع للعمل الشريف، بل ربما سيكونون فيما بعد عبئاً على المجتمع وعالة على الأجيال القادمة. هذا إن لم يكونوا خطراً كامناً وقنابل موقوتة.
|