الاهتمام الإقليمي بالأوضاع العراقية يأتي في سياق النزوع الطبيعي لأية دولة نحو الاستقرار، وهو أمر لا يتحقق بصورة فردية بل يحتاج في معظم الأحيان إلى تضافر الجهود الإقليمية لتطويق مكامن الخطر وتنسيق السياسات، وكلما ارتفعت وتيرة الأداء الجماعي تحققت النتائج المرجوة بصورة أفضل.
ففي بحر أقل من أسبوعين انعقد مؤتمران شاركت في أولهما الدول المجاورة للعراق بالإضافة إلى مجموعة الدول الثماني الكبرى زائداً الصين في شرم الشيخ، وأمس انفض مؤتمر وزراء داخلية الدول المجاورة للعراق، وفي اللقاءين برزت أهمية استقرار الوضع العراقي من خلال الوفاء بالاستحقاقات الدستورية المتمثلة بصفة خاصة في انتخابات أواخر يناير المقبل إلى جانب أهمية الدور الأمني الذي يمكن أن يسهم إيجابيا في تهدئة الساحة العراقية المضطربة، وهو اضطراب يلقي بتأثيراته أيضا على دول الجوار، الأمر الذي عبر عنه سمو وزير الداخلية بقوله: إن الوضع في العراق لم يعد يشكل خطرا على مستقبل العراق وأبنائه فقط وإنما بات تهديدا واضحاً وخطيراً على الأمن والاستقرار في المنطقة.
ومن الطبيعي، وفقا لهذا التأثير المتبادل، أن يتركز العمل باتجاه تبادل تأثيرات إيجابية، إذ إنه بحكم الجوار لا بد وأن تجد مختلف مظاهر الحياة وتجلياتها انعكاسات لها بين الدول المتجاورة، ولعل العمل الواعي المدرك لهذه التبادلات هو الذي حتم لقاء وزراء الداخلية في طهران.
وسيكون مفيدا وباستمرار، حتى في حال زوال الظروف العراقية الحالية أن تتواصل مثل هذه اللقاءات باعتبارها تقليدا مطلوبا، خصوصا في وقت بات فيه الإرهاب أحد الظواهر المقلقة في عصرنا الراهن، فكيف إذا كانت الأوضاع في العراق هي المعنية، وهي أوضاع تكتنفها الكثير من المخاطر، وتستوجب قدرا من المعالجات الحكيمة التي تضع نصب أعينها الحفاظ الوحدة الوطنية، من خلال تشجيع الحوار الوطني بمختلف مستوياته، ومن خلال إشراك جميع الفئات والجماعات العراقية في جهود المصالحة الوطنية ما يعني إسقاط التهميش لأي فئة كما يعني عدم اللجوء إلى القوة، على حد تعبير سمو وزير الخارجية في إيجازه الصحفي الدوري الأخير.
وسيكون مفيدا للعراق ولدول المنطقة بشكل عام أن يتم تكريس النهج العقلاني البعيد عن التهديدات بالاستئصال وإلغاء الآخر، طالما أن الجميع من ذات الوطن ومن ذات التراب، ومن المهم دائما تغليب المصلحة الوطنية على الأجندة الخارجية حتى وإن تظاهرت، قوى الخارج بالحرص على المصلحة الوطنية الداخلية لهذه الدولة او تلك.
وفي النهاية فإن أبناء العراق، وليس غيرهم هم الذين ينبغي عليهم التعايش مع بعضهم البعض على ذات الأرض، وهكذا فإن ممارسة الاعتداءات أو التهديد بالاستئصال، هي أمور تؤدي إلى تراكم الأحقاد، وتعمل على تأجيج الرغبات الثأرية، وعندها يصبح من الصعب الحديث عن وطن واحد حتى وإن عاش الجميع على ذات الرقعة الجغرافية التي كانت في يوم ما تحمل معنى الوطن الواحد.
|