* الجزيرة - مكتب القاهرة - عتمان أنور:
أرسى مؤتمر شرم الشيخ حول العراق الذي اختتم أعماله مؤخراً عدداً من القواعد المهمة للتحرك العربي في الفترة القادمة، كما كشف عن وجود أطر تحكم الرؤى تجاه الملف العراقي تتجاوب مع المتغيرات بما يكون لها انعكاسات إيجابية في النهاية على الشعب العراقي. ورغم الانتقادات والخلافات التي شهدتها أروقة المؤتمر إلا أن المراقبين يؤكدون أن المؤتمر شهد بشكل عام خطوة انتقالية على صعيد التعامل مع الأزمة العراقية من جميع جوانبها؛ فقد شكَّل المؤتمر في حد ذاته فرصة كبيرة لتضييق حدة التناقض بين الحكومة العراقية ومعارضيها، وذلك بفتح الباب أمام جميع القوى العراقية للمشاركة في الانتخابات المقرر إجراؤها في يناير القادم، وهي فرصة يراها المراقبون جيدة لتشجيع الحكومة العراقية على التفاوض مع معارضيها وزيادة مساحة هذا التفاوض باستمرار. كما يُحسب للمؤتمر التوافق العربي والدولي على البيان الختامي، ويحمل هذا التوافق - حسبما يرى المراقبون- تعاملاً إيجابياً مع القضية العراقية، وخاصة بعد أن أصبح العراقيون والمجتمع العربي القوى الإقليمية أمام واقع يتَّسم بالتعقيد والتشابك، وهو الأمر الذي يتطلب مبادرة حقيقية وتفعيلاً للدور الإيجابي الذي يمكن أن تقوم به القوى الإقليمية لمساعدة العراق على استكمال العملية السياسية. ثم إن التوافق العربي على البيان الختامي يعني -وفي المقام الأول- أن معارضة الحرب يجب ألا تقود إلى رفض الاندماج أو الالتحاق بمرحلة الإعمار وإعادة البناء، فمسؤولية القوى الإقليمية ودول الجوار خلال الفترة القادمة مسؤولية لا يمكن تجاهلها. أيضاً -وفي ضوء النتائج التي حقَّقها المؤتمر- كان التأكيد على أن يظل هناك إطار دولي شرعي، وعلى توسيع مفهوم الدور الإقليمي ليشمل البُعدين الأمني والاقتصادي مع البعد السياسي، وذلك بإعطاء دور قيادي للأمم المتحدة في مساعدة العراق.
من جهة أخرى، يرى المراقبون أن مؤتمر شرم الشيخ أوجد عنصر ضغط يدعو المجتمع الدولي لتقديم الدعم والمساعدة في إعادة تأهيل القوات العراقية للقيام بدورها على أرض الواقع، لدرجة أن هذا الأمر دفع إيران لتقديم عرض في هذا الخصوص بالقيام بتدريب قوات الشرطة العراقية. ورغم أنه يصعب على الولايات المتحدة والحكومة العراقية الموافقة على هذا الطلب الإيراني إلا أنه تم طرحه، ومن المتوقع أن تستثمره الإدارة الأمريكية لصالحها.
آلية لمتابعة تنفيذ
نتائج المؤتمر
ومن النتائج الإيجابية التي حقَّقها مؤتمر شرم الشيخ لمستقبل العراق خلق آلية للمتابعة ممثَّلة في لجنة ستعقد اجتماعات مراجعة دورية لبحث مدى الوفاء بالالتزامات وتطبيق النتائج ورفع تقارير للوزراء، وسيكون أول اجتماعاتها في فبراير القادم، وهو ما اعترض عليه وزير الخارجية الروسي في الاجتماعات المغلقة محذِّراً من أن هذا الموعد يأتي متأخراً؛ حيث يأتي بعد الموعد المقرر لإجراء الانتخابات في يناير القادم وما ينتظر أن يصاحبه من أحداث مأساوية متوقَّع حدوثها. وكان وزير الخارجية الروسي قد أبدى اهتماماً خاصاً خلال مداخلته بالاقتراح البحريني المُطالِب بعقد مؤتمر للمصالحة يجمع كافة الأطياف العراقية، وهي الفكرة التي أيَّدها بشدة أيضاً وزير خارجية بريطانيا جاك سترو، إلا أن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لم يُبْدِ أي تحمُّس تجاهها، وقال: إنه يفضِّل إذا ما عقد مثل هذا المؤتمر أن يتم داخل الأراضي العراقية.
ولقد أثار تحفُّظ زيباري على فكرة استضافة البحرين لمؤتمر القوى الشعبية العراقية غضب كثير من الوفود التي تدخَّل بعضها منبهاً وزير الخارجية العراقي على أن كثيراً من قوى المعارضة لن تشارك في هذا المؤتمر المقترح إذا ما عُقد داخل العراق.
ومن جانبه أكد وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط على ضرورة تكثيف الاتصالات والمشاورات الهادفة لمتابعة تنفيذ نتائج أعمال المؤتمر، مشدداً على أهمية طَرْق الحديد وهو ساخن من خلال عمله على استمرار إحياء هذه الفكرة والتدخل لتقريب وجهات النظر بين وزير الخارجية البحريني الشيخ محمد بن مبارك ونظيره الإيراني لضمان تحريك هذا المقترح إلى الأمام والبناء عليه.
ولم تتوقف النتائج غير المباشرة أو غير الملموسة لهذا المؤتمر عند هذه الحد، بل إن المؤتمر أعطى الجامعة العربية فرصة غير مسبوقة للتحرك بفاعلية بصحبة الدور المحوري للأمم المتحدة الذي صار محل إجماع من قِبَل الكافة. وذكرت مصادر دبلوماسية شاركت في أعمال هذا المؤتمر أن الاجتماعات شهدت أجواءً ساخنة استمع خلالها الوفد الأمريكي إلى مواقف حادة من الوفود المشاركة بسبب العمليات العسكرية في الفلوجة وانتهاك المساجد والمقدسات والاستخدام المُفرط للقوة، ولم تنجح المساعي الأمريكية في إزالة عبارة الاستخدام المفرط للقوة من البيان الختامي، واضطُرَّت لقبولها في نص البيان.
|