الصديق الغالي هو ذاك الإنسان الذي يؤثر على نفسه صديقه ولو كان به خصاصة، ويبذل النفس والنفيس في سبيل أن يوطد عرى الصداقة وتمكينها، ويبعد عنها المشاحنات.. ويسعى الصديق المخلص إلى أن يكون عند حسن ظن صديقه، ويشاركه في السراء والضراء.. يتألم لآلامه ويسر لسروره.
ولكي نكسب ود الصديق لابد للطرف الآخر أن يتحمل ويتحمل بصبر وسعة بال لا تقبل الشك، وأن يفترض دائما وأبدا حسن النية في القول والعمل في مواجهة صديقه، ويضمر له كل حسن مفيد يخدم الغاية قبل الوسيلة.
والصداقة في معناها الأصيل ومفهومها الحقيقي ليست هي كما نراها الآن ونشاهدها في بعض مجتمعاتنا، وقد بنيت على الزيف والمجاملة الزائفة لغرض شخصي يراد من ورائها تحقيق مأرب ثم إذا تحقق ذلك أو لم يتحقق في موعده نسفت تلك الصداقة من جذورها وكأنها لم تكن، على أنه لا يغرب عن البال أن الصديق المزيف يستطيع المرء النابه أن يكتشفه بكل سهولة ويسر، وذلك من وراء تحركاته ولسعاته التي يوجهها ويرسلها عن طريق غير مباشر فينكشف أمره ويفتضح سره ويتبين مأربه، فيفطن الصديق إلى ذلك ويتنبه فيبتعد عنه ويتركه صريع نواياه السيئة وما يحمله قلبه من أشياء باطنها الشر وظاهرها الحسن، يبرزها في قالب ملون خداع يغريك في إخراجه. والصديق إذا أحسن العشرة مع صديقه وقدر الموقف (أي موقف) لصديقه، وأكرم العيش وحافظ على ما كان يشد بينهما من وثائق، فقد احترم الصداقة وأعطاها ما تستحقه من إجلال وإكبار.. فليس عيبا أن يبدر من الصديق لصديقه زلة أو هفوة غير متعمدة أو لم يحسب لها حسابا، فهذه من غير شك ولا ريب مضمون لها أن تزول آثارها كالبرق الخاطف دون أن تترك أثرا في نفس الصديق، بل من شأن ذلك أن يساعد على توثيق عرى المودة والصداقة، بل وتمكن الصديقين من أن يتفاهما في جو يسوده المحبة والاحترام المتبادل، ويتعودا على التفاهم الحسن في ما بينهما لمواجهة أي احتمال من غير تشكيك، وقد عرفا غاية بعضهما وأدركا بإمعان دور الصداقة بما لها من معطيات.
|