تعجبني وبشدة تلك الإطلالات التي يطل بها علينا شيخنا الفاضل الدكتور صالح بن الفوزان بين الحين والآخر وما ذاك إلا لأن فضيلته يمتاز بطرح قضايا حساسة جداً تم استحداثها، أو هي استحدثت نفسها في هذا العصر يتناولها بشيء من الموضوعية التي لا تنقصها الصراحة ولعل مقالته الأخيرة في هذه الصحيفة العزيزة التي أطلت علينا في يوم الثلاثاء الموافق 11-10-1425هـ جزء من إرشاداته- حفظه الله - يشدني هذا الأسلوب المثير حينما تطرز للمقالة جملة استفهامية تعنون بها! فعلاً.. من الملوم في انفصال بعض الشباب عن العلماء؟؟ إنها مشكلة ترتقي خطورتها يوماً بعد يوم وتزيد مهيجاتها ومثيراتها من حين لآخر.. خطر والله حينما يكتفي الشباب كل بنفسه لنفسه ويترجمون ما تمليه عليهم عقولهم على أرض الواقع ولما يرتبطوا أو أقل القليل يحتكوا بشخصيات تستحق المجالسة من مشايخ فضلاء ودعاة نبلاء، وأصحاب فكرة سليمة وطريقة محمودة، للأسف وبكل مرارة أن ثلة من شبابنا فتحوا آذانهم وبكل أريحية لكل ناعق بفتنة، وداع إلى ضلالة ولكن من يجيد فن (التغليف بأغلفة شرعية).
أثارني ذلكم الاستفهام الكبير بمعناه، وإذا أحببت أن أجيب عليه من وحي وجهة نظر أرتأيتها صواباً في هذه المسألة أقول:
إن الشباب أنفسهم هم الملومون في بعدهم وتنحيهم عن المشايخ والنبلاء وصعب علي أن أعمِّم بحكمي هذا ووجهتي جميع شبابنا، بيد أن هنالك زمرة لا أعلم فيما إذا كانت هي الكثرة الغالبة أو القلة القليلة.. الذي يهمني أنها موجودة لا تحرص أبداً على القرب من العلماء وطرح ما ينبجس في خواطرهم من تساؤلات وإشكالات ويحرمون أنفسهم من الاسترشاد بأقوال علمائنا النيرة وفتاويهم المتزنة.
يا حسرةً عليهم !! ضاعت عليهم فرص كبيرة في (التصنيف بين ظن منهم ويقين) غرقوا في بحر عميق جداً لا ساحل له وخاضوا مجالاً وخيم العواقب ذميم النتائج، وشقوا عن قلوب الناس وخاصة العلماء منهم واستحدثوا لنا نعوتاً نعتوا بها أناساً مخلصين، فسموهم وكما ذكر الشيخ - رعاه الله - علماء سلاطين، وعلماء ساكتين، وعلماء متجاوزين، عجباً- والله - أجد في نفسي رغبة ملحة في التعرف على العلماء الربانيين في نظر هؤلاء، وأجدني في شوق إلى رؤية العلماء الصادقين في نظر هؤلاء.. أين هم في فكرة هؤلاء وأطروحاتهم ؟!
إنني أمقت وبشدة ذلكم الذي انتهج منهجاً رديئاً وبدأ بمقارناته الغبية بين العلماء وتفضيل بعضهم على بعض.. لا من أجل بيان للحق وحسن في القصد، كلاَّ.. وإنما ليرفع البعض ويحقر ويهون من شأن البعض الآخر، وهذا كثير فوا أسفاه على من هذه حاله!! ويا ويل من نحر أوقاته، ووأد أيامه ممتهناً هذه المهنة الوضيعة.
يجب إعادة النظر في منهجيتنا في التعامل مع هذه الرموز القيمة في عالمنا ونبذ كل ما تمليه شياطين الإنس من أباطيل وخزعبلات، كذبها واضح، وزيفها وعوارها ظاهر، ويجب كذلك على كل من يملك الذوق العالي والأفق المتسع المنضبط بضوابطه أن يحكم عقله ويحضره في هذا المجال الذي فشى واستفشى بين شبابنا مع الأسف!!
أخيراً حول التصنيف والتقييم.. هناك كتيب حقيق أن يطالع، ويكرر ، مفيد في بابه وهو (تصنيف الناس بين الظن واليقين) لفضيلة مقيده الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد.. وفقه الله.
محمد بن عبدالعزيز الكريديس / بريدة |