الأحداث في هولندا بعد اغتيال مخرج سينمائي تطاول على الإسلام والمسلمين وزعم أنهم يكرهون المرأة، وما أعقب ذلك من هجمات انتقامية ضد المسلمين والمساجد والمدارس، هذه الأحداث تؤكد الحاجة إلى إعادة قدر من الثقة بين المسلمين وسكان هذه القارة إلى الصورة التي كان عليها قبل سنوات، وهو أمر قد يدخل في باب الطموح المبالغ فيه باعتبار أنه من الصعب رتق مثل هذا الشرخ في البنيات الاجتماعية، ومع ذلك هناك من يحاول من جانب المسلمين وأيضاً من قبل الأوروبيين معالجة الخلل الذي يحدث.
وتبرز بصفة خاصة مساعٍ جادة في هذا الصدد، تكتسب صدقيتها من أنها تحاول النفاذ مباشرة إلى عمق المشكلات، فهناك من يتحدث عن ضرورة إزالة الأسباب التي تغذي الأفكار المتطرفة، وهناك من يرى أن معالجة أزمات دولية كبرى يمكن أن يشكل نقلة مهمة في هذا الصدد.
فالمسؤول عن مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي (جييس دي فريس) له رأي قد يكون فاعلاً في هذا الصدد، فهو يتفق مع ما هو سائد في العالم الإسلامي تجاه ما ينبغي عمله بشأن مكافحة الإرهاب، ويطالب الأوروبيين بمعالجة ظواهر عدم التسامح الديني، مؤكداً في ذات الوقت أهمية التسوية للصراع العربي الإسرائيلي باعتبار أن غياب السلام يغذي التطرف.
وفي مجمل آرائه إشارة إلى أهمية معالجة مواقف متطرفة مسبقة ضد الإسلام.. كما أن هذا المسؤول عكس نظرة متقدمة في المحيط الغربي بشكل عام، حيث لم يستسلم لما يجري الترويج له على نطاق واسع في الساحة العالمية من محاولات لربط الإسلام بالإرهاب، عندما قال: إن مهمة محاربة الإرهاب تقع على كاهل الجميع بما في ذلك المسلمون، وهو هنا يفرق بصورة حازمة وواضحة بين التطرف والإسلام الصحيح الذي ينبذ هذا التطرف ويدينه ويتبرأ منه باعتبار أنه منافٍ لطبيعة روح التسامح التي هي من صلب ديننا الحنيف.
بالطبع فإن الأمر يحتاج إلى بذل جهد متعاظم من قبل المسلمين وخصوصاً في القارة الأوروبية، حيث يتفهم الكثيرون من الأوروبيين بحكم التداخل والتواصل الطبيعة الصحيحة للدين الإسلامي، وحيث تنشط حوارات على قدر من العقلانية وحيث ترتفع نسبة المهاجرين المسلمين، إذ يوجد أكثر من خمسة ملايين مسلم في فرنسا وحدها، مما جعل من الإسلام الديانة الثانية في فرنسا إلى جانب أن هناك حوالي المليون ونصف المليون مسلم في بريطانيا، فضلاً عن أعداد مقدرة أخرى في ألمانيا وهولندا.
ويبقى من المهم تشجيع التوجهات التي تظهر قدراً من التفهم للمسلمين وتسقط الأفكار النمطية عن الإسلام.. ومن المؤكد أن هناك الكثيرين من بين الأوروبيين الذين يحملون أفكاراً غير منحازة ضد الإسلام مثل مسؤول الاتحاد الأوروبي الذي أشرنا إليه، ومثل هؤلاء يمكن التواصل معهم من أجل تحقيق تفهم أفضل للإسلام عل نطاق واسع بين الجماهير الأوروبية التي يخضع الجانب الأعظم منها لعمليات غسل دماغ من قبل الأجهزة الناشطة ضد الإسلام والمسلمين.
|