منذ عام 1418هـ وأنا أتابع بدقة حركة النشر والثقافة والفكر والفن في مدينة الرياض.. من خلال العمل مع أكبر المؤسسات الثقافية العاملة في المملكة.. واستطيع ان أقول ان مكتبة الملك عبد العزيز العامة ودارة الملك عبد العزيز ووكالة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف والتي ضمت مؤخراً للهيئة العليا للسياحة.. هي أغزر المؤسسات الثقافية والفكرية إنتاجاً وأكثرها نشاطاً وأقواها فعلاً وتفاعلاً مع الحياة الفكرية والثقافية في المملكة كلها وليس في مدينة الرياض وحدها.
كان عيد الفطر المنقضي قبل أيام، فرصة سانحة لصعود نجم جديد ينافس النجوم الثلاثة.. رغم عدم الاختصاص.. لكنها القيادة التي تتعامل مع واقع حالها بروح المبادر النشط والمحفز الواعي.. بل والمربي الفاضل.. فجموع الناس تحتاج إلى من يدلها ويوجهها ويدربها حتى على الاستمتاع بالحياة.. النجم الجديد الساطع في سماء الرياض هو أمانة مدينة الرياض.. ففي ثلاثة ايام العيد قدمت الأمانة عشر مسرحيات.. حتى إن مدينة القاهرة عاصمة الفن والمسرح العربي.. لم تحلم بمثل هذا العدد من المسرحيات في هذا الوقت القياسي القصير.
أمانة مدينة الرياض تستطيع ان تفخر انها قدمت درساً أو نموذجاً أو مثالاً لشريحة عريضة من الشباب لا تعرف عن المسرح إلا ما تراه على شاشات التلفاز.. فأتاحت لهم ملامسة مباشرة وحضوراً واقعياً ومعرفة اتصالية بعالم المسرح.. وطقوس الدخول والتنظيم والمتابعة والتقسيم.. وكل ما له صلة بالمسرح من منصة ومدرجات وممثلين وجمهور.. ذلك النوع من ثقافة الاتصال بالآخر التي لا تمارس في بلادنا.
أمانة مدينة الرياض بفعلها هذا وضعت علامة مميزة في تاريخ الرياض الثقافي.. فالمناسبة المئوية كانت علامة.. وتسمية مدينة الرياض عاصمة للثقافة (عام 2000) كانت علامة ثقافية أخرى.. أما عام 1425هـ فهو بالتأكيد عام امانة مدينة الرياض.. ونتطلع أن يكون عام 1426هـ عاماً نؤرخ فيه لنجاح الانتخابات البلدية.
رغم ان سكان مدينة الرياض يتجاوز عددهم الأربعة ملايين، فإن معظمهم يظن ظناً يصل حد اليقين ان مدينة الرياض جافة يسكنها الموظفون الذين ارتضوا بهذا النمط الجاف من الحياة، وان على من يريد منهم ان يتلمس بعض جوانب الترفيه الاجتماعي أن يطلب مبتغاه في أحد الساحلين الشرقي أو الغربي أو في إحدى المدن التي اشتهرت باستقبال السائحين والباحثين عن الترفيه العائلي، رغم قناعتنا التامة بأن المجتمع بحاجة الى الترفيه كإحدى الركائز الأساسية لبناء مجتمع سليم ومتوازن ومنتج وفعال، فالترفيه احد جوانب الحياة الضرورية للمجتمعات.
إننا في المملكة العربية السعودية نعيش هذه الأيام مرحلة تحول مهم ومؤثر.. والتفاؤل يحيط بنا من كل جانب.. وسكان مدينة الرياض لا شك بحاجة إلى هذا النشاط الترفيهي والثقافي.. فالرياض بسكانها ومكوناتها تتجه الى ان تكون احدى مدن العالم العظيمة.. والمدن العظيمة تحتاج الى نشاط دائم وحضور مؤثر على أرض كل الفعاليات الإنسانية وفي سماء كل الفضاءات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.. وهذا ما فعلته امانة مدينة الرياض هذا العام.. فقد أنجزت برنامجها الثقافي في هذا العيد.. وها هي بعد أسبوع واحد فقط تنطلق بفعالية جديدة في الفضاء السياسي وذلك بتنظيم اول انتخابات بلدية في عصر بلادنا الحديث.
البنية الإنشائية الأساسية لقيام المدن العظيمة متكاملة في مدينة الرياض ولابد من تكامل البنية الأساسية لقيام المجتمع المتفاعل المتحرك المشارك المبدع المرفه.. وهذه أبربز سمات الشعوب العظيمة.. ولا شك ان نشاط الأمانة هذا العام يثبت ان امانات وبلديات المدن يمكن ان تكون سواعد بناء وتحريك وتحفيز.. وإنها ليست أدوات إجرائية ولا جهازاً تنفيذياً خدمياً فقط على عظم هذه المهمة.. كما ان النشاطات التي تقوم بها أمانات المدن حتى ولو استظلت بمظلة السياحة.. وحتى ولو كان دافعها الاقتصاد إلا أنها في منتهى الأهمية في تشكيل حراك المجتمع الكلي والشخصي والعائلي، وهذه هي الغاية.. فهي تقود إلى تحديد الاتجاهات بما تعنيه من مواقف وميول ومن ثم سلوكيات.
أخيراً.. تجاذب بعض الأصدقاء الاختلاف اللغوي حول عبارة عيد الرياض (عيدين) أو (عيدان).. وإذا تجاوزنا ثوابت اللغة.. فإني ممن يصوتون لصالح (عيدين).. فقد تعودناها هكذا وأحببناها هكذا.. وكل عام وأنتم بخير.. وكل عام وعيد الرياض (عيدين).
4792350 fax |