من الأهداف المفترضة لتحديد حد أعلى لعدد الأسهم التي يمكن الاكتتاب بها، وتخصيصها في حال تجاوز المبالغ المكتتب بها رأس المال المطروح للاكتتاب تحقيق قدر من العدالة في توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع.. وهذا منطقي فيما لو كان الجزء الأكبر من رأس المال مطروحاً للاكتتاب أو قريباً منه، أما طرح 20% من الأسهم للاكتتاب في ظل وجود إقبال كبير على شراء الأسهم المطروحة فإنه لن يخدم هذا الهدف بل يهدمه.. وكل ما يمكن ان ينتج هو زيادة بأرقام فلكية في ثروات المؤسسين، مصدرها زيادة طلب صغار المكتتبين.. ولا شك أن هذه الزيادة في الثروات ليس منشأها جهداً أو عملية إنتاجية شارك فيها أصحابها، بل هي أشبه بدخل مفاجئ غير متوقع ساهم في إيجاده الإقبال على أسهم الشركة.. وبهذا يجتمع لدينا أمران زيادة في الثروات غير مرتبطة بالإنتاج وزيادة في الفوارق في الدخول.
والسؤال أليس لمن أسهم في إيجاد هذا الدخل غير المنتظر حق فيه؟
وألا يجب تقليل آثاره الاجتماعية السلبية؟ من المعمول به في مثل هذه الحالات فرض ضرائب على هذا النوع من الدخول بنسب عالية تصرف عوائدها لصالح المجتمع.. وهذا مجرد مثال لأسلوب من أساليب التعامل مع مثل هذه النواتج. ومن الطبيعي أن تفرز الحياة الاقتصادية المتجددة وما يتم فيها من مبادلات وتعاملات مجموعة من المشاكل مثل الآثار الخارجية والدخل المفاجئ وغيرها والتي تنشأ من حين لآخر، ولكن من غير الطبيعي ان تظل الأنظمة والقوانين متخلفة عن مواكبة هذه المستجدات الأمر الذي يساعد على ظهور تشوهات في البناء الاقتصادي للمجتمع وإلى ظهور فئة تستغل هذه الظروف لتحقيق مكاسب كبيرة قد لا تتمكن من الحصول عليها في مكان آخر أو ضياع حقوق فئات بسبب عدم وجود نظام أو قانون يوفر لها الحماية في مواجهة أنماط وأشكال جديدة من التعديات.
ومن الإشكالات التي أفرزها الاكتتاب تضارب الفتيا، فهناك من أفتى بحرمة الاكتتاب معللاً فتياه هذه بمجموعة من الحيثيات، وهناك من أفتى بجوازه مستخدماً مقلوب الحيثيات التي استخدمها الأول، مما أوقع كثير من الناس في حيص بيص.. والإشكال هنا إن بعضا ممن يفتي في هذه القضايا يتعامل معها وكأنها من سائل الفقه البدهية التي يجيدها كل من درس أساسيات الفقه، مثل مسائل الطهارة والصلاة، وإن أتعب نفسه فهو يعمم أحكاماً لقضايا مشابهة ظاهراً، فما قيل في حق الاكتتاب في أسهم شركة ما ينطبق في حق شركة أخرى بجامع أن كلتيهما شركتان أو شركتا اتصالات.
والذي أتصوره ان الفتيا في هذه المستجدات هو جهد فريق عمل يضم متخصصين في الشريعة والاقتصاد والقانون والتمويل وغيرهم لأجل ان تكون للفتيا احترامها ومصداقيتها ولأجل ان تترجم في واقع الناس.. وإذا كان من يتصدى للفتيا من غير أهلها مستحقاً للعتاب واللوم، فمن يفتي ممن ينتسب إلى العلم الشرعي بدون تثبت وتصور كامل لما يسأل عنه أشد استحقاقاً للعتاب واللوم وربما العقاب.. ولا يضير شخص كائناً من كان إن سئل عما لا يعرفه أن يقول لا أدري.
|