Wednesday 1st December,200411752العددالاربعاء 19 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

مركاز مركاز
جذور الرشوة!
حسين علي حسين

أول تعامل لي مع (الرشوة) كان منذ سنوات طويلة جداً، عندما رغبت في الحصول على بطاقة شخصية. كل شيء بالنسبة لي كان مكتملاً، لا توجد ثغرة للمرتشي ليدخل منها عليَّ. ثم هل كنتُ أملك شيئاً لأرشوه به؟ كان الرجل يجلس في زاوية، والناس حوله، كلهم في عجلة من أمرهم، وكان الرجل وبعصبية فائقة يحدِّد طلباته، فالجزار يسأله عن اللحمة، وبائع الخبز عن خبزه، وكل واحد من هؤلاء لا يجد سوى ترديد عبارة: مرحباً يا سيدي! أرسلوا لنا الواد ومالكم إلا اللي يطيب خاطركم! أما أنا فلم يجد لتصريفي سوى كلمة واحدة: يا واد... روح بسرعة هات لي بكت دخان! وقد ذهبتُ بسرعة وأتيتُ ببكت الدخان للرجل الأبيض اللامع، العصبي المزاج، والمكتنز لحماً وشحماً، والذي يغذي نفسه من الصباح وحتى انتهاء هموم ومشاكل الناس، حتى أنا حلَّ مشكلتي كلها ببكت دخان، كان ثمنه فادحاً في ذلك الوقت، لكنه يهون عند التفكير في الأبواب التي ستفتحها أمامي تلك البطاقة، وأولها الرحيل إلى كل مكان دون خوف!
لماذا تذكرت الآن ذلك المرتشي البائس الذي يستحلب من الناس الرز واللحم والخبز وعلب السجائر؛ لينجز لهم أعمالهم، في الوقت الذي يستحلب أحفاده الآن الملايين من الناس لينجزوا لهم أعمالاً يأخذون عليها راتباً كان من المفروض والضروري أن يكون كافياً لإعالتهم وإعالة أُسَرهم من أول الشهر حتى آخره؟! لكنه الطمع الذي يعمي العيون وقبلها الضمائر، وكل ذلك يجعل (المرتشي) يتفنَّن في تعطيل مصالح الناس، ويستخرج من دماغه الفاسد عشرات المحاذير التي تبرر له تعقيد مصالح الناس، وهي محاذير - للأسف- موجودة وتحت الطلب، وبالإمكان الالتفاف حولها أو التعامل معها بمرونة أو تطبيقها بصرامة، والشخص المرتشي فقط قادر على جعلها تخدم أغراضه ونفسه المريضة، مهما سبَّب بسلوكه ذاك من الألم والمعاناة لأصحاب المصالح، ومنهم فقراء وأرامل وعجائز.
إن واقعة صاحب الصيدليات التي نُشرت وكتب عنها الكثير مجرد قطرة في بحر، لكن لعلها تفتح الباب واسعاً لتنظيف العديد من المصالح الحكومية والخاصة، فيها الراشون والمرتشون، وفيها أيضاً ضمائر يقظة ترفض اللقمة المسمومة مهما كان مصدرها ومبرر الحصول عليها. إننا بحاجة لحملة قومية لمكافحة الرشوة والإبلاغ عنها، فهي لا تقل خطراً عن تلويث البيئة والتعدي على الأملاك وعدم احترام الطريق والإيدز وغيرها من الأمور التي اعتادت الدول تذكير مواطنيها بها عبر حملات سنوية.
أخطار (الرشوة) على بلادنا ومواطنينا باتت منظورة وملموسة، لذلك لا بدَّ من وضع صندوق في كل مصلحة للإبلاغ عن أصحاب الضمائر الفاسدة الذين يعطِّلون مصالح الناس من أجل مبلغ تافه أو مصلحة عابرة، ولا بدَّ من تنفيذ حملة عامة عن أضرارها، حملة تطوف الشوارع والمصالح الحكومية والخاصة بما فيها المدارس والجامعات وكل الأماكن التي قد تشكِّل بيئة خصبة لطلب الرشوة!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved