في مثل هذا اليوم من عام 1854 قام الخديوي سعيد بمنح فرديناند دي لسيبس امتياز حفر قناة السويس.
كان الدبلوماسي الفرنسي فرديناند دي لسيبس رجلاً استعمارياً أراد أن يجعل من مشروع قناة السويس أداة لتمكين فرنسا من احتلال مصر والسيطرة على الشرق، واستطاع أن يحصل من خديوي مصر سعيد باشا على امتياز شق قناة مباشرة تربط البحرين، وتضمن هذا الفرمان اثني عشر بندًا كلها من الأعاجيب، منها الحصول على ماء النيل بدون مقابل، والحق في استغلال الشركة صاحبة الامتياز جميع المواد اللازمة لأعمال القناة، مع تعهد الحكومة المصرية بتقديم كل معونة في سبيل تنفيذ المشروع.
أثار مشروع القناة معركة دبلوماسية بين بريطانيا وفرنسا خاضتها لندن في القسطنطينية عاصمة الدولة العثمانية التي كانت لها السيطرة على مصر، ورغم ذلك بدأ دي لسيبس حفر القناة في 25 ابريل 1859، وافتتحت رسميًا للملاحة في عهد الخديوي إسماعيل في 17 نوفمبر 1869 في احتفالات كبرى حضرها أغلب ملوك وأمراء أوروبا، وكانت مدة الامتياز (99) عامًا من تاريخ افتتاح القناة تعود بعد هذه المدة ملكيتها إلى الحكومة المصرية، وكان الفرنسيون يمتلكون معظم أسهمها.
ومنذ ذلك الحين صار الاستيلاء على هذا الطريق المائي الجديد من أغراض السياسة الإنجليزية، خاصة بعد تحقيق ألمانيا وإيطاليا لوحدتهما السياسية ودخولهما ميدان المنافسة الاستعمارية، وما يترتب على ذلك من تأثير على مركز بريطانيا في حوض البحر المتوسط، وكان ذلك كفيلاً بأن تتحول أطماع بريطانيا نحو مصر والقناة باعتبارهما مفتاح السيطرة في البحر المتوسط والمدخل للتوسع الاستعماري في افريقيا، فضلاً عن أن بقاء القناة تحت السيطرة الفرنسية أمر لم يكن يطمئن إنجلترا في حركتها التجارية أو في الوصول إلى مستعمراتها في الهند.
وفي البداية لم تقبل إنجلترا على استخدام القناة في طريقها إلى الهند إلا في عام 1888 بعد أن فرضت سيطرتها التامة على القناة ومصر، وقبل هذا التاريخ اكتفت بسفينتين كل شهر، وكانت تهدف من وراء ذلك إظهار مشروع القناة في صورة خاسرة، ومضاعفة متاعب الشركة، بل أرادت أن تشتري القناة بأبخس سعر ممكن، وتمكنت من شراء أسهم مصر في القناة في نوفمبر 1875 واعتبر هذا البيع ضربة موجعة شديدة للمصالح الفرنسية، أما بريطانيا فطالبت بحقها في إدارة القناة.
ولم يمض وقت طويل حتى رأت بريطانيا أن مصالحها التجارية والسياسية مرتبطة بالقناة، لذلك استغلت الأزمة المالية الخانقة التي تعرضت لها مصر في أواخر عهد إسماعيل، وتدخلت في الشؤون السياسية والمالية في البلاد، وهو الأمر الذي انتهى بالاحتلال البريطاني لمصر في 1882.
|