يستطيع الإنسان أن يجعل حياته عَزْفاً منفرداً على أوتار الأمل المشرق دائماً، ويستطيع أن يستقبل حياته كلَّ يوم استقبال المؤمن القويِّ الذي بنى حياته على قوَّةِ اليقين، والصدقِ والوفاء، والتعلقِ بربِّ العالمين.
إنَّ معزوفات الجمال والنجاح والعطاء في الحياة هي التي تُصدر من الأنغام والألحان أجملها، وأحسنها، وهي التي تملأ حياة الناس تفاهماً وعطاءً، وعملاً نافعاً.
وإنَّ أجمل عَزْف في الدنيا هو العزف على أوتار التشجيع وذكر الفضائل، خاصةً للأولاد الذين تتفتَّح زهور آمالهم كلما سمعوا كلمة تشجيع مشرقة، وعبارة إشادة صادقة، وكلما رأوا ابتسامةً تتألق على ثغر أبٍ أو أمٍ أو أستاذٍ مصحوبةً بكلمات حانيات، تشعل شموع العزيمة في نفوسهم.
كثيرٌ من الآباء والأمهات والمدرسين والمدرسات، وغيرهم من أصحاب المسؤوليات، يبادرون إلى كلمات العتاب والتأنيب إذا حدث خطأ أو خلل أو تقصير، ولكنهم يتأخرون عن نطق كلمة شكر أو استحسان أو تشجيع إذا رأوا إنجازاً أو إبداعاً أو عملاً جميلاً.
إنَّ هذا الأسلوب الغاضب من أشدِّ الأساليب وقعاً سيئاً على النفوس، فهو يريح نفس الغاضب المعاتب، ولكنه يقتل همَّة من يتلقاه من أصحاب الهمم والمواهب.
(أنت مبدع، أنت ناجح، ما أجمل ما فعلت، أنت قادر على الإنجاز، أنت خير من يقوم بهذا العمل، لقد قمت بعمل جليل، ما أسعدني بما فعلت، لا عليك فكلنا خطَّاءٌ..).. هذه العبارات وغيرها من العبارات المشرقة ما هي إلا عزف جميل رائق يحرِّك المشاعر ويزيد الهمَّة، ويُزيح غبار الكسل والوجل، ويفتح أمام الإنسان آفاقاً رحبة للعطاء المتجدِّد.
هل معنى ذلك، ألا نعاتب أحداً، ولا ننتقد خطأ؟ كلا، فلا يمكن أن تخلو حياة من عتاب، أو نقد وتوجيه، وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا تطبيقٌ عمليٌّ لذلك؟ ولكنَّ القصدَ ألا نبالغ حتى تتحول حياتنا إلى عتابٍ لا ينقطع، ونقدٍ لاذعٍ لا يتوقف، وتأنيبٍ مستمرٍ لا يهدأ؛ لأن أساليب العتاب والنقد والتأنيب إذا سيطرت أغلقت منافذ البهجة في النفوس، وحالت بين القلوب وبين الراحة والهدوء، وفي ذلك تعطيل للطاقات، وتثبيط للهمم، ولعلَّ تقديم الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر يؤكد هذا الذي نقول.
(يا أبا بكر، لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذتك خليلاً، أفرضكم زيد بن ثابت، إرمِ سعد فداك أبي وأمي، سلمان منا أهل البيت..) عبارات نبوية كريمة كانت تهز نفوس أصحابه، وترفع معنوياتهم، وتدفعهم إلى العطاء المشرق، وإلى العمل المتواصل.
وما أجمل تلك الكلمات التي قالها الرسول - صلى الله عليه وسلم - معبراً عن شعوره نحو صاحبيه الحبيبين جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، حين قتلا في غزوة مؤتة، قال: (أخواي ومؤنساي ومحدِّثاي)، إنها إضاءات شعورية تبدد ظلام الوحشة عن النفوس.
أجملُ عَزْفٍ في الدنيا عَزْفُ كلمات التشجيع وعبارات الإشادة بالجهود الطيبة والشكر على الإحسان والإجادة، فما أجدر ذلك باهتمامنا!
إشارة:
يا روضة الشعر هذا الفجر يخرج من
أصلاب ليلتنا السوداء فازدهري |
|