ربما نتفق جميعاً على أن الأنظمة تهدف إلى صيانة الحق العام والمحافظة على المصلحتين العامة والخاصة، وربما نتفق على أن الموظف المسؤول عن تطبيق هذه الأنظمة يعتبر حكماً تسند إليه مهمة تقرير ما هو نظامي، وما هو مخالف للنظام بما يكفل ضبط الحركة النظامية في المجتمع، وإذا كنا أيضا نتفق على أن المجتمع الذي لا يحتكم إلى نظام محدد تسوده الفوضى الإدارية والمجتمعية، ولا يستطيع رسم الصورة المستقبلية لحركته التنموية بمتغيراتها ومكوناتها المختلفة والمتعددة، فإننا بلا شك نؤمن بأهمية الأنظمة ودورها في مجال ضبط حركة المجتمع، ونقدر للموظف المسؤول موقفه الحازم ورغبته الملحة في تحقيق التطبيق الكامل للأنظمة، ومحاربة كل من يحاول تجاوزها لتحقيق مصالحه الخاصة، ومع كل هذا الإيمان والاعتقاد فإننا نشاهد في حالات كثيرة أن السعي المجرد لتطبيق الأنظمة قد وقف حائلا دون تحقيق المصلحة العامة، ودعم مكونات التنمية الوطنية بمجالاتها المختلفة خاصة في ظل حالة الجمود التي تعاني منها معظم الأنظمة لدرجة لم تستطع معها مواكبة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، ولعل ما يهمنا في هذا السياق معاناة المستثمر المحلي من بعض الأنظمة التي لا تراعي الواقع، ولا تتواكب مع واقع المنافسة العالمية والإقليمية حتى صارت في حالات كثيرة طاردة للاستثمار المحلي في الوقت الذي تتسابق فيه الاقتصاديات المجاورة لاستقطاب رأس المال السعودي وتقدم له التسهيلات المغرية على الرغم من كون بعض هذه الاقتصاديات تعاني من مشاكل هيكلية تجعلها أكثر حاجة لدعم وزيادة إيرادها الحكومي، فتجدنا وفقا لنظامنا المحلي نحرص على تطبيق النظام على المستثمر المحلي أكثر من حرصنا على جذب الاستثمارات ذات المردود الإيجابي الأعلى على اقتصاد المنطقة وسوق العمل، ومعدل دخل الفرد ومستوى رفاهية المواطن، وتجدنا في أوقات كثيرة نحرص على تطبيق النظام دون مراعاة للفوارق الهيكلية بين مناطق الاستثمار المختلفة التي تلعب دوراً كبيراً في توجيه قرار المستثمر المحلي، وفي أوقات كثيرة أيضا نهمل الفوارق المهمة بين المستثمرين حتى صار من يدفع أكثر هو الأحق بفرصة الاستثمار متى ما توفرت فيه الشروط العامة التي تحكم إجراءات المنافسة دون النظر لكفاءاته الاقتصادية والاستثمارية، ودون النظر إلى تجاربه الاستثمارية السابقة مما يؤدي في أحيان كثيرة إلى فشل بعض المشاريع وحرمان مناطق المملكة المختلفة من بعض المستثمرين الذين يحتاجون إلى تسهيلات مضاعفة لإقناعهم بالاستثمار في المناطق الأقل نمواً، ومن هذا المنطلق فإننا إذا كانت الجدية موجودة فعلا مطالبون بإعادة النظر في نظام الاستثمار المحلي بما يكفل توفر المرونة اللازمة التي تعطي للمصلحة العامة دورها المنشود، في تنفيذ النظام بدلا من مركزية التفسير والتطبيق المتبعة في الوقت الحاضر، نحتاج إلى مرونة عالية تعطي للمسؤول المباشر في الميدان الحق في تقدير ما يحقق المصلحة العامة، وما يتناسب واحتياجات المنطقة بدلا من تطبيق نظام واحد على مناطق مختلفة لكل منها خصائصها البيئية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة، ونحتاج أيضا إلى مرونة عالية تكفل منح المستثمر المتميز مزايا وتسهيلات تفوق تلك الممنوحة لغيره لحمايته من منافسة صغار المستثمرين الذين قد يتمكنون من إزاحة المستثمر المتميز، ولكنهم قطعا لا يستطيعون تقديم السلعة أو الخدمة بنفس القدر من الكفاءة النوعية التي ترتقي بمستوى الاستهلاك المحلي والرفاهية الوطنية، وفي جميع الأحوال نحتاج إلى أن نكون أكثر قناعة بأن المستثمر هو صاحب الفضل حتى نكون مؤهلين لتقديم ما يحتاجه من خدمات وتسهيلات تسهم في تذليل العقبات والصعوبات الاجرائية والوقتية التي يعاني منها المستثمر المحلي في الوقت الحاضر نحتاج إلى ما تقدم والمزيد حتى لا نجد أنفسنا مستقبلا نستورد ما تنتجه رؤوس الأموال الوطنية في الدول المجاورة، وحتى لا يبقىأبناؤنا وبناتنا عاطلين عن العمل معرضين للتداعيات السلبية للبطالة عاجزين عن القيام بدورهم الوطني المنشود في مجال البناء والتنمية.
إشارة:
ذكر لي أحد الزملاء أن أحد المستثمرين منع من الدخول في إحدى المنافسات الاستثمارية نتيجة لتقديمه شيكا يقل عن المطلوب بعشرة ريالات مما حرم المجتمع من مستثمر له سابق تجربة وأعطى الفرصة لمن هو أقل منه خبرة وكفاءة إذا صدقت الرواية فقل على الاستثمار المحلي السلام.
|