انتهى رمضان ومعه ألقت جميع الفضائيات ما في جعبتها من مسلسلات وبرامج ومسابقات ، وظلَّ المشاهد العربي في حيرة من أمره إزاء هذا الكم الهائل من المسلسلات التي صُرف عليها الملايين .. وخلال شهر رمضان المبارك بثَّت الفضائيات الخليجية (تشكيلة) واسعة من المسلسلات الخليجية التي ازدحم بها وقت الفضاء والمشاهد معاً. وبعد ثلاثين يوماً (اتضحت) الصورة الحقيقية لهذه المسلسلات الناجح منها والمتراجع ، في حين أجمع كثير من متابعي هذه المسلسلات على أنها لم تخرج (جميعاً) بالصورة المطلوبة ، خاصة وان التحضير لها بدأ منذ وقت مبكر ، والتنافس شهد (قمته) للفوز بأفضل الممثلين والمخرجين والمواقع المتنوعة للفوز بنصيب الأسد من المشاهدين ، وهم (المنتجون) يعلمون انهم ليسوا الوحيدين في حلبة المنافسة.
من هنا اتضح ان المنافسة جاءت من نوع (استعراضي) سطحي ولم يلامس مشاعر ولا أحاسيس المشاهدين شيئا من بين هذا الكم الكبير من المسلسلات ، ونحن نرى تفوقاً ملحوظاً للمخرجين في حركات الكاميرا واختيار الزوايا والموسيقى التصويرية واغاني المقدمة ، متناسين ومتجاهلين تماماً (العمق) و(الحبكة) الدرامية وتوزيع الأدوار بما يتناسب مع أجواء القصة .. وفي هذه (العجالة) نستعرض ابرز ما بثته الفضائيات خلال رمضان الماضي.
دنيا القوي
بطولة غانم الصالح، وإبراهيم الحربي، وزينب العسكري، ويعقوب عبدالله، وشجون الهاجري، ومشاري البلام، وقد قامت بكتابته وإنتاجه فجر السعد..
لعل المسلسل كان مليئا بالأحداث المتتالية وهذا يعني أن عدم متابعة حلقة واحدة يحرمك من وصول فكرة المسلسل كاملة وهذا الأسلوب دائما تنحاز إليه فجر السعيد، حتى إنها تحاول إقحام بعض المشاهد المثيرة دون داع ولكن من باب الشد الدرامي ويعاني المسلسل عدم ترابط واضح في السيناريو ووجود فجوة كان سببها خلق أحداث غريبة، فمثلا على سبيل المثال المشهد الذي استطاع من خلاله الممثل (يعقوب عبدالله) أن يغتصب شقيقة زوجة أبيه دون مقاومة منها بالرغم من رفضها وهو إقحام للإثارة دون داع أو حتى قد يصاغ المشهد بحدث مقنع.
يؤخد على (فجر السعيد) كونها الكل في الكل بعيدا عن المخرج الذي لا دور له وربما ينساه المشاهدون حيث يؤخذ على فجر أنها في هذا العام أكثرت من (الرقص) في المسلسل من خلال الحفلات الخاصة كون الأحداث تتطلب القيام بإيجاد مشاهد للرقص والإكثار منها وبدون مبرر وكانت فجر قد أكدت أنها كانت تنقل ما يدور في المجتمع الكويتي!!
نقطة تحسب ل(فجر) فهي تعتمد على اسمها وقوتها كمنتجة وكاتبة ولا تعتمد على أسماء بعينها، حيث كانت تشارك مع أبناء منصور ثم انفصلت وجاء دور حياة الفهد معها ولم تستمر لذلك فهي تركز على توليفة شابة وإعطاء الأدوار في محلها.
بعد الشتات
هناك مثل يقول: (الاعتماد على النجاح فشل) وهذا تماما ما ينطبق على المسلسل القطري (بعد الشتات) الذي كتبته (وداد الكواري) وأخرجه أحمد يعقوب المقلة وبطولة (عبدالعزيز جاسم وسعاد عبدالله) ومجموعة من الأسماء.
من الواضح جليا أن هذا المسلسل اعتمد على نجاح (يوم آخر) لكن هل يكفي هذا؟
بالعكس كان (بعد الشتات) مسلسلا باهتا لم يحمل مضمونا يذكر وناقش بعض القضايا المحلية التي تهم القطريين مثل (الجنسية) وغيرها التي لا تهم المتابع الخليجي على الأقل.
عجلة المسلسل بطيئة و(مملة) ولم تتضح معالم ماذا يريد إلا بعد 20 حلقة وهذا بحد ذاته يجعل المتابع ينفر من المتابعة.. وهي النقطة التي تتلافاها
(فجر السعيد) في مسلسلاتها وتسقط فيها وداد الكواري.
الممثلون لم يستطيعوا إقناع المشاهد بقدرتهم على أداء الأدوار وكان الأداء لدى أغلب الفنانين (مبالغا فيه) فمثلا عبدالعزيز جاسم يبلغ به الطمع إلى حد عدم احترام والده ومطالبة الحجر عليه، وزهرة عرفات في دورها الأم المفرطة كانت تعلم عن ابنتها التي (انحرفت) ومع ذلك لم تحرك ساكنا، ولمياء طارق الخارجة عن طاعة زوجها كانت تضربه إذا قام بلمسها، إنها أحداث لا تصدق أبدا.
وكانت فكرة المسلسل (شبه تائهة) فيما كانت الكاتبة وداد الكواري في أضعف حالاتها، وإن كان الاعتماد الأكبر على المخرج أحمد المقلة الذي يجيد حركة الكاميرا بكل سلاسة ولكنه لم يستطع كمخرج أن يقنعنا بالشخصيات وساهم في أن تصبح المبالغة هي (الطاغي) في المسلسل حتى المواقع كانت مبالغة مثل الفيلات والشركات والسيارات وكأن المقلة متخصص في إخراج المسلسلات الأرستقراطية.
بقي أن نشير إلى أن الموسيقى التصويرية كانت جيدة ومعبرة، كما لا بد أن نشير إلى أن التجربة الثانية للفنان (عبد المجيد عبدالله) كانت ناجحة في مقدمة المسلسل والسؤال: هل يفكر عبدالمجيد في ضم أغنية (بعد الشتات) إلى ألبومه الذي يجهز له وسيصدر بعد شهرين.
غصات الحنين
من يتابع مسلسل (غصات الحنين) فمن المؤكد أنه سيصاب (بدوار).. وليس دوار البحر لأن كثيرا من المشاهد تم تصويرها فيه.. ولكن دوار المشاهد (بفتح الميم والشين) ويبدو أن القائمين على المسلسل اقترحوا أن يتم التصوير وعرض المشاهد وعلى المتابع أن يقوم (بالمونتاج) بنفسه، وأن يفهم الأحداث من خلال ذكائه لا من خلال تسلسل المشاهد والعرض.
سقطة كبيرة لأبناء المنصور في هذا المسلسل الذي ضاع ما بين (الهند) و(البحر) و(الكويت) وكانت بعض الأدوار قد عسفت من أجل أن تناسب فنانيها، مثل دور حسين المنصور.
المسلسل عانى مشاكل جمَّه في كل شيء فعلى مستوى السيناريو لم يكن هناك موضوع تتم مناقشته، وعلى مستوى الأدوار كان الكثير من الممثلين في غير مكانه، وعلى المستوى الفني كانت هناك مشاكل في الصوت والصورة وبالذات المشاهد التي تم تصويرها في (الهند) حيث ان الصوت متقطع، والصورة جودتها متواضعة وهذا لا يمنع أن نقول إن أبناء المنصور حاولوا أن يتميزوا ولكنهم أخفقوا وقد اتضح جليا أن أبناء المنصور يجيدون المسلسلات التي تمثل الطبقة (الأرستقراطية) والصراعات العائلية مثل مسلسلاتهم السابقة (دارت الأيام) (القرار الأخيرة) (دروب الشك).
خارطة أم راكان
كنت ألاحظ في (أفلام الكرتون) أن الشخصية التي يتم إظهارها في أي فيلم كرتوني نوعان شخصية تمثل الخير أو الشر ولا يخرجون عن هذا الإطار ولهم الحق فأفلام الكارتون موجهة للأطفال لكي يقنعوهم بما يعرض أمامهم من صراع للحق ما بين الخير والشر، تذكرت هذه النقطة وأنا أتابع بعض حلقات المسلسل مجازا (أم راكان) تأليف د. ليلى الهلالي، وهي المشكلة التي يعاني منها (عامر الحمود) حيث إن الشرير طول الحلقات (شرير) ينام ويصحو وهو شرير يأكل ويشرب يقود السيارة يتحدث ويجلس ويشاهد التلفاز وهو شرير.. أما الإنسان الطيب فهو طيب على امتداد حلقات المسلسل، أسأل نفسي:
هل هناك شخصيات حقيقية بيننا بمثل هذه المواصفات أم أن المسلسل «فانتازيا»؟
فأم راكان توقع ابن زوجها في المخدرات، وحسن عسيري يقول لوالدته:
(كل مصايبي من تحت راسك)، وجعفر الغريب يرى الظلم أمام عينه ويضحك.. وكلهم يؤكدون أن سبب خوفهم تسلط أم راكان.. هل هذا يعقل؟
نسيت أن أقول: إن (خارطة أم راكان) هو المسلسل الوحيد الذي وزع الأدوار في غير أماكنها وكل شخصية لم تؤد الدور لأنه غير مناسب، انظروا لدور عبير أحمد وعبدالرحمن العقل.. وفايز المالكي وستتأكدون من ذلك، على فكرة من المستحيل أن ينتهي أي مسلسل لعامر الحمود بالحزن أو مشاهد غير متوقعة.
الدنيا لحظة
على قناة (دبي) عرض مسلسل (الدنيا لحظة) حصريا عليها، وهو بطولة حياة الفهد وغازي حسين وعبدالمحسن النمر، وميساء مغربي، وعبدالله وطيف، وحسن البلام، ويلدا...
الحقيقة أن المسلسل يضم توليفة متميزة أدت الأدوار بكل إقناع وهو المسلسل الذي حاول إقناع المشاهد نوعا ما ولكن الحال لم تدم فبدأت أحداث
(الأفلام الهندية) تغلب على أحداث المسلسل، هذا مصاب بالسرطان، وهذا يتزوج حبيبة أخيه، وهذه كانت أخت هذه دون علمها، وغيرها من الأحداث التي لا يصدقها عقل، والحقيقة أن مبدأ الإثارة غير الواقعية هو ديدن المسلسل في آخر
(عشر حلقات) لكي تزيد وتيرة المتابعة وتسلسل الأحداث، المسلسل يحمل فكرة جيدة تمت مناقشتها، والنهاية لم تكن تقليدية، وكان أداء حياة الفهد وعبدالمحسن النمر وحسن البلام من أفضل الأدوار.
سوالف حريم
سوالف حريم الذي عرض على (mbc) حصريا بطولة حسن عسيري وزوجاته الأربع لم يخل من التقليدية في طرح الأفكار وأيضا الأحداث ولكن هذا لا يعني أن المسلسل كان فاشلا، بالعكس فالمسلسل استطاع أن يشد الأنظار من خلال الأداء المتميز لجميع الممثلين، وإن كان النص ليس بالقوة ولم يوجد فيه الحبكة الدرامية، كما أن هناك مشاهد غريبة لا أعلم كيف مرت على القائمين على العمل فمثلا حسن عسيري مدير في شركته التي يعمل بها (خليجيون) وكانت الدلائل على أنه في السعودية لكن يوجد لديه (سكرتيرة) كذلك بعض الأشخاص الذين (يدورون) في الشركة على أنهم سعوديون وهم من الأخوة الأجانب الذين يلبسون (الشماغ) و(الثوب) وكم كان شكلهم مضحكا وكأنهم (روبوت آلي) لا يستطيع أن يحرك رقبته. سوالف حريم ضعيف في النص والسيناريو لكن الأداء والجوانب الفنية ارتقت بالعمل قليلا ونخبة الأسماء المشاركة أيضا واعتمد نجاح المسلسل على الأسماء التي شاركت فيه وكونت توليفة (كوميدية) كما أن المخرج كان مبدعا في اختياره الزوايا إلى جانب النقاء في الصورة والصوت.
هدوء وعواصف
مسلسل (هدوء وعواصف) الذي عرض على قناة البحرين وكذلك قطر، من أنجح المسلسلات على خارطة رمضان لكنه لم يأخذ حقه بسبب أنه كان محصورا في هذين القناتين ومع ذلك كان حديث أغلب الناس.
هو من بطولة (زينب العسكري) و(حسين قريش) و(شيماء سبت) وعدد من النجوم.
المسلسل يحوي جميع عناصر النجاح إلا أنه بالغ في جرعة الحزن مما يجعل المتابع في ملل من الجو الحزين لكن هذا لم يؤثر كثيرا على نجاح المسلسل فقد كانت الأدوار موزعة بشكل جيد، والسيناريو والأحداث مترابطة، والإخراج متميزا جدا حيث استطاع (محمد القفاص) أن يبرز العمل، هناك مأخذ آخر على المسلسل وهو الإغراق في اللهجة المحلية البحرينية التي اختلفت مع لهجة سعيد قريش وزينب العسكري وغازي حسين حيث اعتمدوا اللهجة البيضاء وهذا سبب فجوة لدى المتابع ولم يلاحظه المخرج.
أخيراً
- عرضنا وبسرعة بعض المسلسلات الدرامية المتصلة ولم نتطرق للمسلسلات المنفصلة مثل طاش، وأبو العصافير، وغيرها، لأننا نناقش مسلسلا كاملا وليست حلقات.
- يبدو أن لكل دولة وقتها في المسلسلات فبعد أن كانت الكويت جاءت قطر لتكون الأبرز والآن المسلسلات البحرينية هي الأبرز ويبدو أن السعودية والإمارات وعمان خارج المنافسة.
- الإخراج سيطر على المسلسلات وكانت هناك حلبة للصراع من نوع آخر هذا العام حقق عدد من المخرجين نجاحا كبيرا في هذا المجال أضفى على المسلسل رونقا وساهم في بروزه.. أحمد المقلة في (بعد الشتات) ومحمد دمام الشمري (الدنيا لحظة) ومحمد القفاص (هدوء وعواصف).
- النجاح للمجموعات بعيدا عن أسماء النجوم.
|