المعادن الثمينةُ لا تَبْرُقُ مرائيها، ولا يصفو جوهرها، إلا عندما تلامسها يد التطهير من خبث ما ليس مَعْدِناً أصيلاً..!
وكذلك هم الرجال الفضلاء، الذين وهبهم الله قِيماً أخلاقيةً يَبُزُّون بها غيرهم، ويمتازون بها على مَنْ سواهم.. إنهم الذين وهبهم الله حبَّ الناس، ووهب الناسَ حبَّهم.. لعوامل ومؤثرات كثيرة.. في مقدمتها حسن الخلق وسلامة الصدر.. ورقة المشاعر.. وضياء اليقين، بأن كلَّ ما فوق الترابِ ترابٌ..!!
***
إنَّ مَنْ يتشح في عمله وتعامله مع الناس بهذه المُثُل والقيم الرفيعة.. لابد أن تكون له من الآثار الإيجابية في العمل وتحمل المسؤوليات أضعاف ما يتحصل عليه مَنْ يصطنعون القوة.. أو يرفعون أنوفهم على مرؤوسيهم، وكأنهم يأخذون رواتبهم من جيوبهم أو رصيدهم الخاص!!.
***
محمد الأحمد الرشيد: واحدٌ من الصف المتميز في أجهزة الدولة، يقود وزارة التربية والتعليم بروح الأخوة، كقاسم مشترك بينه وبين زملائه مسؤولي الوزارة، بل هو يقودها بروح المناخ العائلي المتناغم.. وقد سمعت عنه كثيراً.. وها أنذا قد شاهدته وجهاً لوجه..فصدّق الخَبرَ الخُبرُ..
تمثل ذلك في الاهتمام الاجتماعي والرسمي بفقيد الوزارة وأحد رجالها المتميزين بالعطاء المتجدد (الدكتور ابراهيم بن عبدالرحمن بن زامل الدريس)، الأمين العام للجنة العليا لسياسة التعليم - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - الذي انتقل إلى جوار الله ليلة الأحد 24 رمضان 1425هـ، إثر نوبة قلبية.
وقد لازمنا أبو أحمد الرشيد وأركان وزارته من الصلاة عليه في مسجد الراجحي حتى آخر ليلة من ليالي العزاء في بيت المرحوم، وكأنه أحد أفراد أسرتنا حزناً ولوعةً على زميله الراحل، ودعاني ومجموعة من أسرتي لحضور الجلسة الأربعائية الأسبوعية في الوزارة يوم 12 شوال للحديث عن الفقيد وذِكْرِ بعض محاسنه وخصائصه الجميلة، وتقديم درع تذكارية لأسرته.. وتحدث في البداية أبو أحمد ثم عدد من كبار مسؤولي الوزارة وبعض أصدقاء الفقيد، وختمت الجلسة بكلمتي وتقديم درع تقديرية لأبي أحمد من أسرتنا.
لم تكن الدموع والاختناق بالكلمات خاصة بزملاء الراحل وأصدقائه، بل كانت دموع الوزير أمام الكبير والصغير سنّاً ومنصباً، مما هيّج المشاعر.. ولم تدفعه هيبة الوزارة أن تجعله يصطنع الصرامة والرسمية المحنطة، أمام دموع صادقة لا تؤمن بلعبة الكراسي.
هذه الاحتفالية الكبيرة والمؤثرة لتكريم أسرتنا (نحن آل إدريس) لن يكون مردودها المعنوي مقتصراً على أسرة الفقيد - رحمه الله -، بل هي بلا شك مبعث طمأنينة وثقة لكل الحضور.. لكل مسؤولي الوزارة والعاملين فيها، بأن قائد الوزارة الذي يُظهر هذا الوفاء الكبير لزميل متوفى، لا يمكن أن يظلم أو ينتقص حق أحد من زملائه الأحياء.. من باب أولى.
***
ليس هذا الوفاءُ والنُّبلُ من الدكتور محمد الأحمد الرشيد - وزير التربية والتعليم - جديداً أو محصوراً داخل أسوار العمل فقط، فقد سمعت عن محمد الرشيد من زملائه في الدراسة ومن أصدقائه حاليا كثيراً من الحكايات عن أريحيته وعفويته وصدقه في التعامل مع الآخرين.. جزاه الله وزملاءه في الوزارة وأصدقاء الراحل الكريم خير الجزاء، ورحم الله فقيدنا الغالي وأحلَّه دار المُقَامَةِ من فضله.
|