كل شيء كما هو في طيبة الطيبة، اتجهت صوب باب المعرى، عقب صلاة المغرب لشراء حزمة من النعناع المدني المشهور.. طافت بي الذكريات.. وغامت حولي الرؤى.. ها هنا كان يجلس ثلاب، منذ أكثر من ربع قرن من الزمان.. ثلاب، ثلاب.
ترى.. أين أنت الآن يا ثلاب؟ هل ما زلت حياً ترزق؟ أم هل طواك اللحد؟..
ثلاب.. يا أنس المجالس لقد كنت أشهر من أن تعرف... عند أساطين الطرب، والمتطفلين عليه أمثالي أما كيف تعيش.. وأما أين يقع بستانك.. وما سر هذا المحبس الفضي الكبير في خنصرك.. وهل متزوج أنت أم أعزب..؟؟؟ أسرار لا يعلمها إلا الله..
أستطيع أن أراك الآن بوضوح وصفاء.. وقد جلست متربعاً أمام كومة صغيرة من حزم النعناع المدني الأصيل، المغربي، الدوش، والليم، والنومي.. ولا تلبث في مكانك هذا أكثر من ساعة.. وأسير خلفك فأراك تيمم صوب دكان السيد البديري لتبتاع سكراً وشاياً بثلاث هللات، ثم تسير شامخاً بقامتك المديدة.. إلى قهوة الطوال،.. وتجلس وحيداً في ركنك الشمالي الشرقي على المركاز.. كنت مفتوناً بك وبمظاهر الرجولة البادية عليك وبصمتك وغموضك.. لماذا؟ لست أدري! ثم يأتي إليك عشاق الطرب.. الطرب الذي لا يطيب إلا بك.. فقد كنت بالنسبة إليه بمثابة الملح للطعام فلا أنس يطيب إلا بحضورك..
جاءكم ثلاب.. جاءكم ثلاب.. فتدخل رزيناً.. متثاقلاً.. رافع الرأس.. واثقاً من نفسك ولا تجلس إلا في صدر المجالس، الكل يبتسم - لك... الكل يمسي عليك بالخير.. الكل يسعى إلى إرضائك حيَّا الله ثلاب.. حيَّا الله ثلاب.. والغريب الغريب أنك لا تجيد العزف لا على السمسمية ولا على القانون.. كنت تضبط الإيقاع.. إما على الكبريت.. وإما على الطار المدندش أما الموال الحدري.. ماذا أقول؟... لقد كنت قمة في الموال الحدري..
( يا سهيف على هونك
لا تكسر الروق تشقيني)
(ليا زمان أدور مثلك
عطشان وأبغاك تسقيني) |
|