يلاحظ القارئ لمقالات بعض كتاب الرأي في (جزيرتنا) الحبيبة أن هناك نمطاً شبه سائد يغلب على الكتابات التي تعنى بالوضع الراهن حولنا وما يفرزه من أوجاع يومية تقض مضجعنا وتنكد علينا عيشنا.
والتسلسل المسيطر على طروحات هؤلاء يسير كما يلي:
1- الأخطار تهدد (الأمة) والأعداء يتربصون بها ويعيثون فساداً في كثير من أجزاء جسدها.
2- (الأمة) عاجزة عن درء هذه الأخطار لأن الحكومات العربية ضعيفة ومشغولة والشعوب لاهية ومتخاذلة وينقصها (شيء ما).
3- هناك طابور خامس من أبناء الوطن يؤيد الأعداء، ويتألف عادة من أناس لا يرقون للكتاب لسبب أو لآخر.
4- بالرغم من كل هذا فالنصر قادم إن شاء الله (ولا راد لإرادة الله).
وينطلق الكتاب من هذا الطرح إلى تحديد الأعداء وشتمهم والتحريض عليهم، ويتم هذا بصفة انتقائية عادة.
والحقيقة أن لا مأخذ على هذا الطرح سوى أنه تشخيصي وقتي قد يؤدي بصاحبه أو من يقرأه إلى مفاهيم ناقصة تؤدي إلى استنتاجات غير واقعية أبداً لأنه لا يعتمد على رؤية متكاملة تعنى بكل ما يحيط بالموضوع ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
ولكي لا نذهب بعيداً إلى الماضي فخلال القرنين الماضيين كانت منطقتنا مرتعاً للمصالح الأوربية- القريبة منا- التي أصبحت بعد الثورة الصناعية في حاجة إلى مواردنا وأسواقنا، فاحتلت واستعمرت ما طاب لها ونهبت البلاد والعباد بعد دراسة عميقة لمجتمعنا ونوافذ التغلغل والبقاء فيه من فئويات دينية وعرقية وعادات وتقاليد سخرت للإمعان في الاستفادة القصوى منا. وبعد ظهور تكتلات القرن العشرين في أوربا رغب المعسكر الشيوعي الذي تمحور حول الاتحاد السوفيتي أن يكون له مواطئ قدم في المنطقة وكان له ذلك، وكان من نتائج ذلك الصراع ضعف أوربا في المنطقة وظهور حركات الاستقلال والتحرر من أوربا الاستعمارية (الغربية) فلجأت دول أوربا الغربية المتواجدة في المنطقة إلى تطوير أساليب وأشكال تواجدها معتمدة على ما تعلمه عن طبيعة البلاد وسكانها.
ومن ذلك أنها استغلت التوجهات الأيدولوجية الاستقلالية وحولتها إلى أدوات لتركيز مصالحها وتقوية مواقعها التنافسية، فتحولت الحركة القومية العربية أواسط القرن الماضي إلى آلية لوصول أوروبا إلى منابع النفط في الخليج، لكنها تبعثرت في مجاهل اليمن، فهل سأل سائل من المتحمسين للنوايا (القومية) العربية آنذاك لماذا اليمن؟ كأن لم يكن هناك دول أقرب وأسهل من اليمن لمنبع تلك الحركة المحكوم عليها بالفشل، وكانت المشاعر القومية العربية أساساً لمحاولة أوربية جديدة للوصول إلى البترول لكن بأسلوب ومسار جديدين، عل وعسى.
وقد استقطبت تلك المحاولة تأييداً كبيراً، نظراً لليأس والإحباط الناتج عن غياب آلية محلية لتغيير الحال، وحققت المحاولة نجاحاً جيداً تمثل في السيطرة على الحكم في بلدان (الطريق الجديد إلى البترول)، وكان للتواجد السوفيتي آنف الذكر دور مهم في عرقلة هذه المحاولة وإضعاف مسيرتها فتحولت بعض تلك البلدان إلى دول قمعية استبدادية أصبحت فيما بعد لقمة سائغة للولايات المتحدة الأمريكية التي كانت قد دخلت بقوة في المنطقة مع أوائل القرن الماضي، إذاً لماذا لا نعلنها صراحة لعموم أقوام العرب أن كل ماجرى ويجري هو حرب الأقوياء على ما لدى الضعفاء ولماذا لا نرى احتلال أمريكا للعراق كما هو.. إجراء أمريكي لوقف الزحف الأوروبي إلى بترول المنطقة؟
انظروا من الذي عارض أمريكا في العراق أكثر منا؟ ادرسوا جيداً اللعبة الدولية التي تدور حالياً أمام أعينكم وملء آذانكم في أوربا وتبادل الكراسي في السياسة البريطانية تجاه باقي أوربا و(الشريكة) أمريكا وفلسطين.
ونداء إلى المتخصصين منكم في التيار الإسلامي الجديد: هل هناك تفعيل للأطماع الأروبية من خلال صحوة صادقة نابعة من شعور بالغيرة على عقيدة عظيمة تماماً كما كانت المشاعر التي جذبت الملايين من أهلنا للحركات القومية البائدة؟
أجيبوني كيف أصبحت مشاعر الأمة وقوداً لأعمال التكفير والتفجير وحز رؤوس الأبرياء على رؤوس الأشهاد؟ كيف بنا نسمع من يجرؤ على المفاضلة بين التفجير والاختطاف ولا نحرك ساكناً؟
ثم ما رأيكم بمشروع أصيل يغنينا عن كل المشاريع الهالكة، ما رأيكم بالمشروع السعودي الذي أثبت خلال أقل من قرن أنه الأمل الوحيد لهذه الجزيرة والأمم التي نبعت منها، ادرسوا إيجابيات هذا المشروع التي ليس أهمها أنه شريك كفء لامبراطورية هذا الزمان.
نعم أيها الإخوة هذه ليست دعوة للمفاضلة بين ضيوف المنطقة الثقلاء لكن أعطوا مشروعنا حقه فهو أساس متين لوطنية فاعلة وأممية متفائلة.
منصور الحميدان |