جسور ما بعد 11 سبتمبر

تتجاوز الاستراتيجيات الدولية في حركتها الدؤوبة ومظاهرها السياسية والعسكرية الصاخبة، في كثير من الأحيان، تطلعات الشعوب في التواصل والالتقاء، بل إن مواقف سياسية متسرعة قد تلقي بتأثيرات وخيمة عندما تتنزل إلى مستويات الممارسة الشعبية، وفي هذا المقام تحديداً رأينا كيف أن الغضبة الأمريكية على اعتداءات 11 سبتمبر أسفرت عن فورة من السلوك العدواني المقيت ضد كل ماهو مسلم وعربي إلى الدرجة التي أوصلت الأمور إلى تكوين شرخ يصعب ترميمه بين جماعات كبيرة في المجتمع الأمريكي بل والإنساني بشكل عام.
وعلى الرغم من أنه جرى تحميل مسؤولية الاعتداءات إلى بضعة أفراد محسوبين على المسلمين فإن الغضبة العارمة طالت كل مسلمي العالم، غير أن المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة كان عليهم تحمل العبء الأعظم من هذه المسألة، والآن فإن نفراً منهم يبذلون جهوداً مضنية لإصلاح هذا الوضع ويحاولون ترميم جسور التواصل التي انهارت، ومع ذلك فإنه حتى هذه المحاولات تقابل بروح عدائية من قبل أناس كان يتحينون أصلاً مثل هذه الفرصة للانقضاض على الإسلام والمسلمين.
المحاولات التي يقوم بها المسلمون على الصعيدين الشخصي والجماعي في أمريكا كثيرة، ومنها تلك التي قام بها مؤخراً مواطن أمريكي من أصل باكستاني، مر وأسرته بالتجربة المرة لعلاقات ما بعد 11 سبتمبر ومن ثم فقد تفتق ذهن زوجته عن فكرة إقامة محطة تلفزيونية ناطقة بالإنجليزية في محاولة لإصلاح هذه البيئة التي سممتها تلك الاعتداءات وما نجم عنها من سلوك يزدرئ المسلمين بشكل عام ويسيء إليهم.
إن هذه الطريقة في التفكير تثبت النوايا الحسنة للمسلمين، وقد أوردنا المثال كحالة فردية، وهناك الكثير من مثيلاتها.
ولو حاول الأمريكيون تفهم هذه المبادرات ومنطلقاتها التي تعكس الروح الإنسانية الطيبة للدين الإسلامي ولو انهم تجاوبوا معها من جهة القيام بجهود مماثلة لأمكن فعلاً إصلاح وتمتين الجسور القائمة واقامة المزيد منها.
غير أنه في الولايات المتحدة فإن بعض راسمي الاسترايجيات الكبرى وواضعي الخطط المستقبلية هم حالياً من بين المجموعة التي تسمى باليمين المتطرف، وهؤلاء يتحاملون بشدة على المسلمين والعرب بشكل عام لأسباب عدة من بينها تغليب المصلحة الإسرائيلية من خلال إحباط محاولات التسوية والتقارب.
وبينما يبدي الفلسطينيون استعداداً للتسوية فإن إسرائيل تقابل ذلك بالمزيد من الاعتداءات، وعندما يلجأ الفلسطينيون إلى المنابر الدولية بما فيها الأمم المتحدة لعرض القضية وما يحيق بهم من ظلم إسرائيلي فإن عناصر اليمين المتطرف تتولى الأمر وتهرع إلى حماية إسرائيل من أية إدانة أو عقوبات دولية بقوة (الفيتو).