بعد تجربتي الثقافية مع سارتر ثم مع طه حسين وإعجابي الشديد بأفكارهما التي حدثتكم عنها يوم أمس الأول بدأت الشكوك الإيجابية تسور عقلي. شعرت أن هناك حيزاً من هذا الفراغ الكوني الكبير يجب أن يبقى ملكي لا يشاركني فيه أحد. فالإنسان حسب تجربتي الشخصية مثل البيت تسمح للآخرين بالدخول فيه على درجات ومستويات، الغرباء يبقون بعيداً والأصدقاء في المجلس والأقارب في الصالة العائلية وهكذا حتى تصل إلى المنطقة المحرمة على الجميع التي تمثل عزلتك عن هذا العالم، هذا المكان القصي هو عقلك ووجدانك الذي يجب أن يبقى تحت سلطتك وحدك لا شريك لك. العبودية الحقة ليست من امتلاك جسدك إنها في امتلاك عقلك. والدليل ماثل أمامنا هذه الأيام. هناك شباب على استعداد لقتل أنفسهم بأمر (سمه فتوى) من شيوخهم وقادتهم. الشخص الذي آليت أن أحمي نفسي منه لم يكن سارتر. لأني أعرف أن سارتر ينطلق من منظومة فكرية مختلفة عن منظومتي لذلك يصعب عليه أن يصل إلى الملفات الأساسية في أعماق وجداني. أبعد مكان يمكن أن يصله سارتر في بيتي الفكري هو صالة الضيوف. الخطر يأتي من أبناء جلدتي ومن انطلق أنا وإياهم من منظومة فكرية واحدة هؤلاء الذين اشترك معهم في نفس المقدس. هؤلاء أخطر علي من سارتر لأن هؤلاء يقتحمون أعماق ملفاتي الشخصية، يستطيع أي منهم أن يصل إلى أبعد ملف في نظامي الفكري ويعيد برمجته حسب أهوائه. فالشخص الذي ينطلق من نفس منظومتي يشبه أبي في تركيبته الفكرية، من السهل عليه أن يشق طريقه في داخلي. فالحدود بيني وبينه دائما ملتبسة، من الصعب ان أعرف (متى ينتهي هو ومتى أبدأ أنا) متى ينتهي أثره علي وتبدأ شخصيتي بالتعبير عن نفسها لكني مع الوقت طورت نظاماً بسيطاً وفعالاً اختبر به علاقتي بأساتذتي وشيوخي وعلمائي وأي إنسان أعجب به فكرياً. هذا النظام أسهم في حمايتي من المتسللين إلى وجداني.
حتى هذه اللحظة ما زلت أحترم طه حسين وأحترم سارتر واحترم سيد قطب واحترم قاسم أمين الخ لسبب بسيط جداً أن كلاً منهم أسهم في يوم من الأيام في تزويدي بالمعرفة وفي تطوير قدرتي على التفكير سواء اتفقت معه أو تناقضت معه ولكني في كل الأحوال لا أمحضهم بأي شكل من أشكال التقديس.
رغم تناقضهم في الفكر واختلاف مشاربهم الثقافية تجدني أضعهم جميعاً عند درجة واحدة من درجات التقدير وهي الاحترام. لا أسمح لأي منهم أن يتجاوز هذه الدرجة ويقترب من مرحلة التقديس. فقد طورت آلية تمكنني بكل سهولة من تحديد الدرجة. تتلخص هذه الآلية في سؤال واحد أطرحه على نفسي حول هذا الشخص الذي بدأت أعجب به فكرياً. ما هي عيوب هذا الشخص؟ ما هي عيوب هذا العالم أو هذا المفكر أو هذا الداعية؟ إذا لم أجد فيه عيوباً حقيقية تبدأ الشكوك تساورني بأني بدأت أنقل هذا الرجل إلى درجة التقديس. إذا لم أجد فيه عيوباً هذا يعني أنني طهرته. لأن الله تعالى قضى أن يكون الإنسان خطاء. لا يوجد إنسان بدون عيوب إلا إذا استقر في وجدانك بشكل مقدس. إذا كنت لا تجرؤ على نقد هذا العالم أو هذا المفكر فأنت إذاً تقدسه. ضع أمامك قائمة بأسماء العلماء والمفكرين الذين تعجب بهم وتستهويك أفكارهم وضع أمامهم عيوبهم فإذا صادف أن أحدهم ظهر بدون عيوب فأنت تقدسه. فالشخص الذي تجله وتحترمه يجب أن تعبر عن رأيك فيه وتنتقده جهراً حتى تحمي نفسك منه. لا يوجد من البشر من يرقى إلى درجة التقديس إلى رجل واحد اسمه محمد بن عبد الله.
فاكس: 4702164
|