Monday 29th November,200411750العددالأثنين 17 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
مشواري مع الوظيفة العامة:
العودة إلى المملكة 2-4
عبدالرحمن بن محمد السدحان

كنت قد عقدتُ العزمَ بعد وصولي إلى جدة أن أزورَ العم الشيخ إبراهيم بن مصطفى إسلام، طيّب الله ثراه، وكان معروفاً ضمن الوسط المخملي في جدة، جَاهاً وسمعةً وخُلقاً رفيعاً، وكانت تربُطه بسيدي الوالد- رحمه الله- صداقةٌ عريقة الجذور، وبدأتْ مع تزامن إقامتهما في مدينة أبها، قبل أكثر من خمسة عقود، وهناك اقترنا بشقيقتين، كانت إحداهما سيدتي الوالدة، والأخرى شقيقتها خالتي، رحمهما الله جميعاً، وقد استمر جسْر الصداقة بين سيدي الوالد والشيخ إسلام بعد ذلك زمناً طويلاً، ثم امتدّ سناها إليّ واشتد عودُها بعد عودتي الأولى من أمريكا في نهاية الستينيات الميلادية، بالبكالوريوس، ثم في مطلع السبعينيات بعد التحاقي بالعمل الحكومي.
**
* وكان العم مصطفى إسلام يحلّ ضيفاً عزيزياً على سيدي الوالد كلّما حملته ظروفُ عمل إلى الرياض، وكنت أرافقه أحياناً في بعض زياراته لكبار المسئولين، وأمضي معه وقتاً طيباً في مقر إقامته في فندق (اليمامة)، وذات يومٍ طلب مني- رحمه الله- أن أرافقه للسلام على سمو الأمير فهد بن عبدالعزيز، أيده الله، وكان يومئذٍ وزيراً للداخلية، فرحبت متحمساً بالدعوة، وناشدْتُه في الوقت نفسه - أن (يتوسط) لي لدى (سموه)- حفظه الله- لمنحي إذناً لزيارة القاهرة في طريق عودتي إلى أمريكا، وقد تمّ لي ذلك، وخرجتُ من تلك الزيارة بفرحتين، فرحة السلام لأول مرة على سمو وزير الداخلية، حفظه الله، وأخرى للفوز بموافقة سموه على منحي إذناً خاصاً لزيارة القاهرة، وكانت العلاقاتُ بين المملكة ومصر آنئذٍ تمرُّ بأزمة سياسية عارضة، واسْتَصْحبَ ذلك وضع قيودٍ على السفر إلى مصر، لكنّها لم تدمْ طويلاً.
**
* هَبطتْ بي الطائرة في مطار جدة، وشعرتُ لحظتئذٍ برعشة الحنين للوطن، وتداعت في خاطري مشاعر النشوة بقرب لقاء الأحبّة، أهلاً وأقارب وأصدقاء. وما إن وطأتْ قدماي أرضَ المطار، حتى اخترقَ غلافَ الظلام المحيط بي صوتُ رجل لم أعرفه بادئَ الأمر، وزادني قلقاً أنه لم يعرّفْني هو بنفسه، بل بادرني بالسؤال: هل أنت (فلان)؟ فأومأتُ له برأسي إيجاباً، وقد عقدتِ الدهشةُ لساني، وحَجَب الخوف من المجهول قدرتي على النطق، ثم أردف (الغريب) بلهجة جادة زادتني حيرةً وخوفاً، قائلاً: (تفضل معي)، وأشار إلى سيارة كانت تربض قرب الطائرة، هنا تسارعَتْ دقّات قلبي وأنا أسير صوبَ السيارة والأسئلة ترعدُ في أعماقي: مَنْ هو هذا (المخلوق)؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ وأسرّ إليّ (الوسواسُ الخنّاس) في تلك اللحظة بهذه الجملة الخبيثة معنىً: (هذه إذن ليلة القبض على عبدالرحمن)! لكنّني استعذتُ بالله واستعنتُ به وأنا أحثُّ الخُطى خلف الرجل، وتوقّفتَ قربَ السيارة قبل أن أعاجلَ مستقبلي الغريب ب(قصف) من الأسئلة: مَنْ أنتَ أيها الأخ الكريم؟؟ ومَنْ أوفدك؟ وإلى أين نحن ذاهبان؟
فرَدّ الرجل، وهو يعتصر ابتسامةً متواضعةً: أنا (...) ابن الشيخ إبراهيم إسلام، وهذه سيارته، وقد أوفدني لاستقبالك، ونحن ذاهبان إلى منزله في الحال، حيث ستحلُّ عليه ضيفاً!
**
* هنا فقط.. تنفستُ الصعداء، وشعرتُ وكأنّ الليلَ قد طوى بسَاطَه لتشرقَ مكانه شمسُ الراحة والأمن! ثم قلت لمحدّثي معاتباً وأنا أصعد إلى السيارة: سامحك الله، كم تمنيتُ لو كاشفتني بدْءاً باسمك وغايتك لحظةَ لقيتُك، إذاً لوفرتَ على نفسي رحلةً طويلةً مع (وساوس الشيطان).. حولتني خلال دقائق إلى ورقة خريف تتقاذفها الريح! فاعتذر مبتسماً، وشكرت الله أن بدّل عسري يُسْراً!
**
* أمضيتُ ذلك المساء وشطراً طويلاً من النهار التالي في ضيافة العم إبراهيم مصطفى إسلام- رحمه الله-، ولم يُخفِ عني دهشَتَه أنّني لم أكملْ مشوار (الماجستير) في أمريكا، فقلت له: لم يغبْ هذا الحلمُ عن بالي قط، وبيّنتُ له أنني قد أعْددتُ للأمر عُدّتَه، وأنني سأكمل ذلك المشوار قريباً بإذن الله، بعد أن أكوِّن قاعدةً من المعرفة العملية عن الإدارة في المملكة، مشكلات وطموحات!
**
* غادرت ضيافة الشيخ إبراهيم إسلام بعد مغرب اليوم التالي، وكان يعمر قلبي الحبور والتفاؤل، ثم الشوق للقاء الأحبة، واتّجهتُ بالطائرة إلى الرياض.. لأصلها في وقتٍ لاحقٍ من ذلك المساء، وهناك، كانت تنتظرني.. مفاجأة أخرى.. عقدتْ لساني!

وللحديث صلة


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved