عندما يغطي كابوس الجهل والظلام على الكثيرين من الأفراد في مجتمعنا، وحينما تطغى على بعضهم الأنانية يرون النور ظلاماً والحقيقة خيالاً والطريق المستقيم معوجاً.. أتراهم قد ابتكروا مقاييس جديدة وصاروا يحكمون بها على الأشياء بحسب ما يعتقدون وما يوافق وجهة نظرهم أم أنهم قد باعوا ضمائرهم بثمن بخس - وابتعدوا عن حقيقة واقعهم - وركبوا رؤوسهم وساروا مسرعين وراء سراب من الأمل الكاذب الذي يحمل في طياته الكثير من النتائج السيئة والتي تنتهي بالقضاء على كيان الإنسان وإخراجه عن عالم إنسانيته إلى عالم جديد من الفوضى والضياع والاستقرار المحدود والحاط بالمؤثرات المهلكة - تلكم هي مسألة هامة تستدعي من كل فرد أن يعنى بها ويسعى للبحث الحقيقي الذي من شأنه أن يغير من الحالة الواقعية المؤلمة التي نغرق في بحرها وتحاول أن تغمرنا بجبال أمواجها.
مجتمعي العزيز.. أنت في مكانة سامية وفي حالة تستدعي منك أن تصحح من أخطائك وأن تحاول أن تضيء لنفسك طريق سيرها وتوجيهها إلى شاطئ الأمان.
إن فرداً من أفرادك لا تخفى عليه حالته الواقعية ولا يجهل إلا سبب تجبره وعناده أمام حقيقته وأنها في ذاتها لحقيقة مرة مليئة بالنتائج العكسية.
لو تطرقنا إلى تلك المشاكل المقصودة لرأيناها محفوفة بآلاف العوامل الداعية إلى حلها والأسباب المرتبة على نتائجها.. ولقد أكثر المتكلمون في ذلك وسعوا في سبيل ذلك سعياً حثيثاً وامتطوا ظهور العبارات الحارة وأيدوا في كلامهم مظاهر السخط وعدم الرضى وما هم في الواقع إلا يحدثون أنفسهم ولا يخرج حديثهم إلا قريباً من ذواتهم.
أتراهم اعتبروا في أنفسهم أم أنهم يريدون أن يوسعوا لأنفسهم ويضيقوا على الناس بعباراتهم الرنانة هل يعتقدون أنهم لا تدرك حقائقهم وما هم عليه من واقع جاهلي.. كيف يريدون لغيرهم أن يمتثلوا وينصاعوا لتوجيهاتهم وهم غارقون في بحر عدم الامتثال إلى أذناهم فماذا يريدون من أولئك الناس ما هم في الحقيقة إلا (كناطح صخرة يوما ليوهنها).
وما حالتهم إلا كحالة من قال:
إذا كان رب البيت بالطبل قارعا
فشيمة أهل الدار كلهم الرقص |
وهذه المسألة حقيقة مرة ويصعب على النفس البشرية الضعيفة أن تتمثل لها وتصلح شأنها لأن فيها أموراً تحد شيئاً بسيطاً من حريتها وهي في الواقع راجعة لمصلحتها ولكنها لا تدرك ذلك وتسعى مسرعة لتحقيق الأشياء المرئية المشاهدة عن قرب وما علمت أن مصلحتها في الشيء البعيد والهدف المرتقب وإن طال طريق سيرها فهل من صرحة تكسر أغلال المجاملة والنفاق، وهل من صرخة صادقة تحقق الآراء المطروحة و تعمل بمبادئها..؟؟ إن لم يكن ذلك ولا ذلك فقل علينا السلام وانتظر النتائج القريبة لما قدمناه ونقدمه من أعمال تنافي الإنسانية وتسعى لهدم كيان البشر الحسي والمعنوي، وعلى بعض أولئك الجهلة أن يدرك أن هناك أنفساً تكاد تطير من حرقتها وأن هناك قلوباً وضمائر تحس وتدرك واقعها المؤلم وأن هناك أفكاراً إنسانية تحقد وتبغض هذه الطرق المحشوة بالأقوال الكثيرة الخالية من الأفعال المشاهدة.
أخي العزيز: يا من يحرص على مصلحته يا من يبحث وراء الحقيقة، يا من يسعى جاداً باحثاً عن الحلول الصحيحة والمبادئ السليمة.. إنك بهذا لحري بأن تدرك أن اليد الواحدة لا يمكنها التصفيق، وأنه يلزمك التعاون مع الآخرين لإقامة مبادئ الإصلاح وعليك بمسايرة الصراحة والجدية في كل ما تقوم به من أعمال ونظرة صادقة إلى الواقع كافية في إقناعك بما يجب عليك أن عمله وبداية الطريق تكون بتقويم الإنسان لنفسه وإصلاحها، ومن ثم العمل على تقويم الآخرين.
وفي الختام:
نحن في حاجة إلى أنفسنا وفي غنى عن إقحامها بالمشاكل والأخطاء {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}..
|