* اجرى اللقاء / خالد الدوس :
* لدورات الخليج أهمية كبرى بين دول مجلس التعاون الخليجي حيث شكلت نقلة نوعية في تطور الكرة الخليجية وإحداث وثبة سريعة على المستوى الخارجي والتي خلالها دخلت تلك المنتخبات أبواب العالمية وعانقت الكثير من المكتسبات على الصعيد القاري والعالمي.
* ففي الوقت الذي كانت مشاركة تلك المنتخبات عبارة عن إقامة لقاءات ودية وحبية في حقبة الثمانينات الهجرية.. جاءت فكرة إقامة وتنظيم أول بطولة عام 1390هـ بالبحرين لتمثل باكورة المشاركات الرسمية للرياضة الخليجية.. واستمرت بطولاتها كل عامين لأكثر من ثلاثة عقود زمنية.. كانت عنواناً مثالياً لروح المنافسة الشريفة وتعزيز أواصر التعارف وتبادل الخبرات فيما بينهم.
* (الجزيرة) ومن منطلق تفاعلها مع خليجي 17 الذي سيقام قريباً في العاصمة القطرية« الدوحة ».. تستضيف عدداً من نجوم الكرة السعودية الذين شاركوا في دورات مختلفة عبر حلقات تنشر تباعاً مزودة بالحقائق التاريخية والصور النادرة والقديمة.
* واليوم نتناول أحد هذه الأسماء المحفورة في الذاكرة بعطائها الرفيع وسمعتها الطيبة.. ضيفنا لهذا العدد هو قائد المنتخب السعودي ومدافعه الكبير في الدورة الثانية بالرياض 1392هـ عبد الرزاق أبو داوود.. فتعالوا نقرأ أحداثها من خلال الأسطر التالية..
****
البداية مع الهلال
* تفتحت عيناي على الكرة في حقبة الثمانينات الهجرية.. عندما سجلت في فريق الهلال البحري - قبل حله - عام 1382هـ وكان عمري آنذاك لا يتجاوز (13) عاماً.. حيث ضم الفريق لاعبين كباراً اذكر منهم د. عبد الرزاق بكر وعبد المجيد كيال واحمد مسعود وغازي ناصر.. وإخواني أحمد ومحمود ومحمد أبو داود، طبعاً منهم من انتقل للاتحاد ومنهم من لعب للأهلي.
* وفي عام 1386هـ انتقلت للأهلي بتأثير قوي ومباشر من أخي أحمد أبو داود ومثلته في خط الدفاع حتى عام 1398هـ.
* تشرفت بالانضمام للمنتخب السعودي لأول مرة عام 1385هـ أيام ما كنت ألعب مع الهلال البحري.. وأتذكر جيداً مناسبة ذلك حينما تقرر إقامة لقاءين وديين أمام منتخب نيجيريا.. حيث تقرر إقامة المباراة الأولى في المملكة والأخرى في نيجيريا طبعاً عسكرياً للمباراة الأولى ثلاثة أيام في فندق الأمين وسط جدة القديم.. ولكن بسبب حادثة الانقلاب الذي حصل لرئيس الوزراء النيجيري ألغيت هاتان المباراتان حتى إنني شعرت بحزن شديد لأننا كنا صغاراً وفرحانين بالمنتخب وعمري في ذلك الوقت لا يتجاوز 16 عاماً تقريباً.
رحلتي مع الأخضر
* استمررت مع المنتخب منذ اختياري عام 1385هـ حتى النصف الثاني من عقد التسعينيات الهجرية.. طبعاً كانت المشاركة في الثمانينات عبارة عن لقاءات ودية وحبية مع بعض الفرق والمنتخبات الزائرة آنذاك .. وعندما تقرر اقامة أول دورة خليجية في البحرين عام 1390هـ بدأت مشاركة الأخضر الدولية وكنت من ضمن الأسماء التي اختيرت للدخول في المعسكر الذي اقيم في الرياض ولظروف والدتي الصحية وما كان يمكن أن أغيب عنها وأنا وحيدها اعتذرت عن الاستمرار بالمعسكر وللأسف تفاجأت بإيقافي لمدة 3 أشهر دون معرفة الأسباب التي أدت إلى اعتذاري عن المنتخب.
أصغر كابتن
* مشاركاتي الدولية مع الأخضر بدأت في الدورة الثانية بالرياض 1392هـ والتي تشرفت بحمل شارة الكابتنية رغم ان هناك من يكبرني سناً من اللاعبين طبعاً كان المعسكر الذي بدأ بـ50 لاعباً وضم ابرز اللاعبين في كل الأندية حيث كانت فترة التحضير للثانية طويلة جداً بقيادة المدرب العربي (طه اسماعيل) ومساعده عادل جزار وكان المشرف العام على المنتخب ابان معسكره سمو الأمير عبد الله الفيصل (أطال الله عمره وكساه ثوب الصحة والعافية).. وذلك بتكليف من الملك خالد بن عبد العزيز (رحمه الله) عندما كان ولياً للعهد .. فكانت التدريبات تقام على ملعب الصبان بجدة والمعسكر في فلة تابعة للشيخ محمد نور رحيمي (والد الدكتور حارثي رحيمي) في حي الشرقية استأجرها الأمير عبد الله الفيصل على حسابه.. وأتذكر كنا نؤدي التمارين يومياً وكان المعسكر طويلاً وكل شيء وفره لنا (حفظه الله) حتى لحم الغزلان أكلناه.
تواضع وخلق!!
* من الأشياء الجميلة التي تجسد تواضع رائد الحركة الرياضية الأول الأمير عبد الله الفيصل.. أتذكر في معسكرنا الذي تكفل به (حفظه الله) كان يحرص على التواجد مع أبنائه اللاعبين يومياً ويتناول معنا الغداء والعشاء ويتابع التدريبات ويدعمنا مما كان له الأثر الكبير في إعدادنا نفسياً وانعكاس ذلك إيجابياً على نتائجنا وحضورنا القوي في الثانية طبعاً كان عدد المشاركين في المعسكر 50 لاعباً وبدؤوا مع كل فترة يقللون عددهم ويستمر الأفضل إلى أن وصل العدد حوالي 30 لاعباً ثم انتقلنا للرياض وانتقل معنا الأمير عبد الله الفيصل للعاصمة واذكر لعبنا لقاءات قوية ضد بعض المنتخبات العربية حتى وصلنا لمرحلة إعدادية رائعة بكل المقاييس.
عبد الله الفيصل تكفل بحج اللاعبين
* إبان فترة التحضير الطويلة التي تزامنت مع أيام الحج.. تكفل الأمير عبد الله الفيصل بمصاريف حج اللاعبين وأتذكر عندما اخبرونا بأن اللاعبين سيغادرون إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج.. سوينا أنفسنا نحن الثلاثة عبد الرزاق أبو داود وعيد الصغير وعمر راجخان شاطرين وفضلنا البقاء في المعسكر والبقية غادر لمكة وعندما صعد الجميع الباص وهم محرمين متجهين لأداء مناسك الحج وإذ بالأستاذ محمد الطرابلسي - الله يعطيه الصحة والعافية).. كان رئيساً للشؤون الرياضية عندما كانت تابعة لوزارة الداخلية وكان مسؤولاً عن البعثة يفاجئنا بجلوسه معنا في المعسكر وكلف نائبه إبراهيم حلبي بالذهاب مع اللاعبين طبعاً في تلك الأيام لم تكن التلفزيونات متوفرة.. وفكرنا بالخروج نتمشى في جدة ورفض وأصبحنا نطالع فيه ويطالع فينا وبعدها عرفنا أن الأمير عبد الله الفيصل الذي كان يتابع كل صغيرة وكبيرة في المعسكر عندما علم أن فيه ثلاثة لاعبين (اذكياء) ما يريدون أن يحجوا (!!) طلب من الطرابلسي الجلوس معنا ومتابعتهم وأتذكر أن الأستاذ إبراهيم الحلبي وهو من أهالي مكة كان يقوم بدور المطوف وهو يدعو باللهجة الحجازية فكان أهالي نجد والشرقية من اللاعبين يضحكون على اللهجة الحجازية وهو يردد ويدعو اللهم انصرنا في دورة الخليج.
البحرين رفضت تفوقنا!!
* كان تجهيزنا لتلك الدورة جيد جداً حيث كانت هناك رغبة قوية من الجميع بأن يحقق المنتخب السعودي كأسها وبخاصة ان حقوقنا كانت الأفضل وكان هناك نجوم في جميع المراكز ولكن المنتخب البحريني كان له دور سلبي ورفض تفوقنا حينما انسحب من امامنا في اللقاء الأخير وكنا مهيئين لخطف الكأس التي طارت للكويت بفارق الأهداف ولو كانت هناك مباراة فاصلة لما خسرنا اللقب الثاني.
الثانية كشفت قدرتي التهديفية
* أمام الكويت لعبنا واحدة من اجمل المباريات رغم تقدمه علينا بهدفين في أول ربع ساعة.. حيث نجحنا في ادراك التعادل بواسطة الصاروخ والغراب ثم واصل الاخضر حضوره القوي في الشوط الثاني واضاع الغراب وضيع النور العديد من الفرص التي كانت كفيلة بحسمنا المباراة لصالحنا.
* واذكر بعد نهاية المباراة كان الامير عبد الله الفيصل راضياً عن المستوى الذي ظهرنا عليه امام الكويت حتى انه كان يحرص على مشاهدة المباراة مسجلة ايضاً ويطلب عرضها على اللاعبين لمعرفة اخطائهم ومعالجة أوجه القصور التي تحصل في الملعب من البعض.
* كنت راضياً عما قدمته في هذه الدورة ولو كان هناك تقصير لما وصلنا لهذه النتائج القوية حيث لم نخسر اية مباراة ولو لم تنسحب البحرين امامنا بعد ان كنا متقدمين عليها في الشوط الأول بهدفين كان بالامكان حسم المباراة باهداف اكثر وبالتالي حسمنا البطولة لصالحنا ويكفي ان المسؤولين بعد نهاية الدورة ثمنوا جهدنا وقالوا لم تقصروا وانتم الابطال حتى لو لم تتوجوا ويكفي هذا الحضور المشرف والأداء المثالي ولا أنسى أن نجاحي في هذه البطولة لم يقتصر على الأداء الدفاعي فقط بل نجحت ايضاً في احراز أربعة أهداف تقريباً في كل المباريات التي لعتها باستثناء الكويت حيث كنت أسجل بالرأس واكتشفت قدرتي التهديفية في الثانية.
أصعب المواقف
* قبل انطلاقة الدورة الثالثة بالكويت عام 1394هـ اختير ضمن الاسماء المرشحين للدخول في المعسكر الذي اقيم في تونس ومصر بقيادة المدرب العربي المعروف محمد عبده صالح الوحش واذكر عندما سافر لمصر لعبنا عدداً من المباريات الودية وقبل اختتام المعسكر بأيام كانت لدينا مباراة واحدة وتزامن ذلك مع موعد اختياري في جامعة الملك عبد العزيز.. فعشت موقفاً صعباًَ فعلاً لأنه كان علي ان اختار اما أشارك في مسابقة رياضية أو استمر في التحصيل العلمي وكثير من خسروا مسيرتهم التعليمية في سبيل انهم يلعبون (كرة قدم) وانا (والكلام على لسان الضيف) حاولت ان أوفق بين الاثنين لذلك واجهتني صعاب.. أنا تعرضت للايقاف لأنني امام إما أن أدرس في الجامعة واختبر أو اني التحق بالمنتخب.. والجامعة ترفض .. إدارة المنتخب تقول اما تلحق بالمنتخب والا نوقفك.. وانا (يتيم) ليس امامي الا التحصيل العلمي لذلك اضطررت ان التحق بالجامعة وأؤدي اختباراتي.. خاصة وانني رسبت في السنة التأهيلية في 3 مواد بسبب تلك المشاركات وعندما حضرت لأداء امتحاني اوقفت مرتين لعدم التحاقي بالمنتخب وقرارات الايقاف مكتوب فيها هذا الكلام انه لم يلتحق بالمنتخب، طبعاً الجامعة كانت اهلية كان نظامها يرفض غياب الطالب عن الامتحانات فرسبت في السنة التأهيلية بسبب عدم ادائي الامتحانات، طيب لو اني التحقت بالمنتخب ماذا كان مصيري الآن، فيه كثيرون من الزملاء الرياضيين يعيشون وضعاً يرثى له والواحد تشفق عليه.. لذلك اوقفت ولم اشارك في الثالثة.
ضحيت بـ13 غرزة
من أجل الأخضر!!
* بلا شك عشت لحظات صعبة بعد التوقيفين وقالوا ما عندك وطنية وكتب عني اشياء وجردوني من وطنيتي إلى ان جاءت تصفيات كأس آسيا في العراق ولعبنا ضده في بغداد حيث تقدمنا عليه 1-0 وكان هناك مطر شديد نازل واللعب حامٍ جداً وما شعرت ومع الحماس الا وناصر الجوهر الذي كان يلعب باك ايمن معي يهزني ويكلم الحكم.. لا أدري مع المطر أن (فانيلتي) صارت حمراء حيث حصل تصادم بالرأس مع مهاجم العراق فلاح حسين ونحن في الهواء فحصل شج في رأسي لم اشعر مع الحماس فأوقف الحكم المباراة فخرجت وتم خياطته بـ13 غرزة ورجعت للملعب وواصلت اللعب.. وعاد النزيف من جديد ونقلوني على الاسعاف وتم اعادة خياطته في المستشفى وكان معي الامير عبد الرحمن بن سعود واتذكر انني اصبت بحمى شديدة طبعاً زملائي اللاعبين لعبوا المباراة وانتهت بالتعادل 1-1 ثم لعبوا المباراة الثانية ضد افغانستان وفزنا فيها وكانت نتائجنا طيبة.
إشادة غالية
* من الاشياء الجميلة في حياتي الرياضية اتذكر جيداً بعد عودتنا من العراق كان في استقبال البعثة الامير فيصل من فهد رحمه الله في المطار واذكر انه قال لي يا بطل واشاد بي شخصياً امام زملائي وامام الامير عبد الرحمن بن سعود رحمه الله وقال فعلاً انت ابن البلد وانت وطني ومن افضل اللاعبين انا احييك واحيي الموقف الرجولي واخذ (الفانيلة) واذكر بأنه تم تعليق هذه (الفانيلة) في.. فترة، والحمد لله جاءت هذه الحادثة كأبلغ رد على المشككين وعلى الذين جردوني من وطنيتي بسبب اصراري على التحصيل العلمي.
الأجانب حرمونا من الرابعة!!
* بعد نهاية مشوارنا في تصفيات كأس آسيا في العراق اعطونا راحة وكانت في نفس الوقت الاندية في اجازة.. وبعد شهر تم استدعاء العناصر الاساسية التي شاركت في العراق للالتحاق في المعسكر خارجياً استعداداً للدورة الرابعة في قطر عام 1396هـ حيث اقمنا معسكراً اعدادياً في أوروبا برئاسة الامير عبد الرحمن بن سعود الذي تعاقد مع الاسطورة المجرية في الستينيات يوشكاس مدرباً عالمياً لقيادة الاخضر في خليجي قطر ولاسباب الاجانب الذين تم منحهم الجنسية القطرية لاشراكهم في الدورة شارك الاخضر بالمنتخب الرمزي الذي ضم اسماء شابة ولم يشارك المنتخب الاساسي حيث تم تدعيمه ببعض عناصر الخبرة امثال ناصر الجوهر والصاروخ وخالد التركي.
أبو خالد مدرسة في الإخلاص!!
* الأمير عبد الرحمن بن سعود (رحمه الله) الذي كان مديراً للمنتخب السعودي في التسعينيات بلا شك رياضي من الطراز النادر.. رجل تحس انه قريب منك وفاهم جداً، ابو خالد اعتبره ملك التفاصيل بارعاً في التفاصيل وكل شيء ملماً به تفصيلاً لكن اعتقد انه ارهق نفسه كثيراً.. والانسان الذي يتبع كل التفاصيل يرهق. كان رحمه الله يحرص انه لا بد ان يعمل كل شيء بنفسه حتى يتأكد انه كمل بالشكل المطلوب كان يشرف على الاكل ويشرف على الملابس ويشرف على دخول وخروج اللاعبين ويركب معهم في الحافلة، ما كان يطمئن الا انه يتابع كل صغيرة في مسؤولية.. باختصار شديد ابو خالد رمز من رموز الادارة الناجحة في إخلاصها وتفانيها للعمل!!
|