Saturday 27th November,200411748العددالسبت 15 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

العدد (391) 3-4-1392هـ الموافق 15-5-1972م العدد (391) 3-4-1392هـ الموافق 15-5-1972م
فكرة ما
عندما يطرب بعضهم
يكتبها: أنور عبدالمجيد جبرتي

حالات الهياج، والهتاف الجماعي، و(الانشكاح) المتشنج، وضربات الاقدام المنتظمة على الأرض.. إلى آخر تلك القائمة من التعبيرات الانفعالية التي تصل إلى سمعنا، أو يصدف أن نشاهدها إذا ما أتيحت لنا فرصة حضور حفلة من حفلات الطرب. هذه الحركات كلها لها تاريخ.. ان جذورها تمتد في تاريخنا (الانطرابي) بعيداً.. ومهما بدت لنا هذه (الانفعاليات) مثيرة للاستغراب أو للضحك خاصة بالنسبة لأولئك الذين لا يتمتعون باستعداد فطري كاف للأنغمار في موجة (الهستيريا) الجماعية، فإننا سنستغرب أكثر إذا علمنا أنها تطور مهذب ورقيق - بل وبالغ التهذيب والرقة - لأنواع من (الانطراب) نقرأ عنها في الكتب التي تخصصت في تدوين أخبار الغناء ومصاحباته الطريفة.
أنابني أحدهم في أن أقرأ - نيابة عنه - محاضرة عن تاريخ الموشحات الأندلسية، وما دامت محاضرته تتناول مثل هذا الموضوع فكان لا بد أن يتطرق إلى شيء من الذي تحدثنا عنه آنفاً.. وقد كان. قال إن فلانا من (الموشحين) غنى موشحاً أمام (فلان) من المنطربين، فلما أن انتهى بلغ الطرب بأخينا (المطروب) حداً جعله يقفز من مجلسه، ويمزق ثيابه، ممرغاً نفسه في الأرض. عصفت في نفسي وقتئذ قهقهة وجدت عناءً كبيراً في كبح جماحها أمام الحضور.. وأحمد الله أنني وفقت.. ولو كنت استمع في مجلس ذلك (الفلان) ورأيت الذي رأيت، كنت مزقت أنا الآخر ثيابي ضحكاً.. وربما أصابتني موجة من الضحك لا استطيع أن اتخيل نتائجها.. وأمثال هذا الرجل الطروب كثيرون. في كتاب (الاغاني) وحده، عشرات من هذه الأمثلة بعضها يذكر وبعضها يعف الإنسان عن ذكره.. هناك أنواع من الانطراب، لا يكتفي فيها الشخص (المطروب) بتمزيق ثيابه، أو إلقاء نفسه على الأرض أو القيام بأي عمل يؤذي فيه نفسه، أن بعضهم يوقع الأذى بالآخرين، فإن (فلانا) كان إذا بلغ به الطرب مبلغه، رفس من تناله قدمه، ولكم من تناله يداه، لذلك كانوا يحرصون في مجالس (طربه) على أن يحتفظوا بمسافات معقولة بينه وبين الجالسين حتى يظلوا بمنأى عن انفعاله، ولقد رمى (فلان) آخر بنفسه في الفرات عندما سمع (صوتا) لأحدهم ويحرص (فلان) آخر أن يجعل بينه وبين المطرب بركة ماء يلقي بنفسه فيها كلما غنى المطرب صوتا، ثم ينتشلونه، ليلقي بنفسه مرة أخرى إذا سمع صوتاً آخر.. والحكايات كثيرة وكلها تجعلنا نحمد الله على أن (هواة) السماع عندنا قد طوروا هذه الهواية الغريبة وجعلوها في حدود المعقول، ولو لم يكن الأمر كذلك، لكنت من أول المنادين، بجعل الغناء جريمة يعاقب عليها القانون، باعتبارها من الأعمال التي تحرض الناس على ايقاع الأذى بأنفسهم وبالآخرين.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved