في مثل هذا اليوم ألقى البابا أوربان خطبته الشهيرة والتي اثارت الحروب الصليبية على المنطقة العربية متذرعة بحجج دينية. وقد ألقى البابا هذه الخطبة المثيرة في مدينة مونت الفرنسية ولم تكن تلك الخطبة موعظة أو دعوة إلى الإصلاح، بل كانت تحريضا وإثارة للحقد والطمع في نفوس الأوروبيين، ودعوة للسلب والنهب، والاستيلاء على أرض الآخرين؛ حيث طالب بوجوب استرداد بيت المقدس من المسلمين، ومنّى المتطوعين في الحملة بحياة أفضل في الدنيا، وبغفران الذنوب إن ماتوا في ساحة القتال. وكانت هذه الخطبة بداية لانطلاق الحروب الصليبية، ونقطة فاصلة بين عهدين شهدهما العالم؛ حيث استجاب لهذه الدعوة الطبقات الدنيا من الشعب، متأثرة بالدعاة الذين جابوا أوروبا لإثارة حماس الناس، وحميتهم الدينية، وكان بطرس الناسك أبرز هؤلاء الدعاة، فاستجاب له جحافل من العامة والفلاحين والرعاع، وقطاع الطرق واللصوص، متأثرين بفصاحة لسانه وبيانه، وشاركه في ذلك داعية آخر اسمه (والتر المفلس)، وخرجت هذه الجموع، وهي تمني نفسها بالحياة الناعمة والخير الوفير، وعرفت هذه الحملة في التاريخ بحملة الرعاع. وارتكبت هذه الحملة في سيرها كل الموبقات من سلب ونهب وقتل واعتداء على الأعراض، واغتصاب بعض الراهبات، حتى وصلت إلى أبواب القسطنطينية، فسارع الإمبراطور البيزنطي إلى نقلهم عبر مضيق البسفور إلى آسيا الصغرى، وتخلص من شرورهم، وقابل السلاجقة هذه الجحافل وأوقعوا بهم هزيمة قاسية. وبعد الفشل الذي مُنيت به الحملات الشعبية الصليبية، جاء دور الحملات الصليبية المنظمة التي يقوم عليها الفرسان والأمراء، والمزودة بالمؤن والسلاح والعتاد، وكان البابا أوربان قد حدد يوم 15 من أغسطس 1096 موعدا لرحيل الحملة، واختار القسطنطينية مكانا لتجمع الجيوش الصليبية. وتألفت الحملة الصليبية الأولى من أربع جماعات، واحدة منها بقيادة (جودي فري) البويوني، والثانية بقيادة (بوهيموند) النورماندي، والثالثة بقيادة (ريموند) اللوثرنجي، والرابعة بقيادة (روبرت) النورماندي. ولما بلغوا القسطنطينية طلب منهم إمبراطورها أن يقسموا له بالولاء وإعلان التبعية له فاستجابوا له، ولم يكونوا صادقين فيما نطقت به ألسنتهم، وتعهدوا للإمبراطور البيزنطي بأنهم سيردون لدولته كل الأراضي البيزنطية، التي يتمكنون من الاستيلاء عليها من المسلمين، وتعهد الإمبراطور أن يقدم لهم يد العون والمساعدة من أجل تحقيق أهدافهم.
وتواصلت الحملة الصليبية حتى نجح الصليبيون في احتلال بيت المقدس الذي ظل أسيرا حتى حرره صلاح الدين الأيوبي في 29 من أكتوبر 1187، وكان سلوكه حين دخل المدينة فاتحا يختلف تماما عما فعله الصليبيون من وحشية وسفك للدماء.
|