* الرياض - الجزيرة:
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين بتقوى الله عز وجل وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم أمس في المسجد الحرام:
(نسائم الطاعات وعبق العبادات وذى القربات يترك أثرا زكيا في حياة المسلمين والمسلمات ولعل من أهم ما يتركه شهر الصيام المبارك من نفحات وتجليات ومناسبات العيد السعيد من إشراقات وجماليات في حياة الأمة هو ذلك الأثر الإيجابي المتمثل في شيوع مظاهر المودة والإخاء والمحبة والصفاء).
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: (ومن عجيب الأمر مسارعة كثير من الدهماء إلى تصديق هؤلاء بل إنك تستغرب حال كثير ممن يروجون فتنة القول ولا ينتهي عجبك وأنت ترى أن بعضهم قد يشار إليه بعلم أو فضل أو صلاح أو مكانة وكأنها لم تطرق أسماعهم آية الحجرات المدوية:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وفي قراءة حمزة والكسائي فثبتوا وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
(كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع) ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول: (حتى إن الرجل ليشار إليه بالزهد والدين والعبادة ولسانه يفري في لحوم الأحياء والأموات وهو لا يبالي بما يقول) بل إن منهم من لا يتورع عن التدخل في خصوصيات الآخرين في أموالهم واولادهم ومواقفهم والاستماتة في استمالتهم إلى ما يريدون من حيث لا يريدون وإلا فسيوضعون تحت مطرقة الشائعات وسندان الاتهامات وعلى مشرحة الطعون والافتراءات حتى إنك لتحس أنك بقيت في خلف يزن بعضهم بعضا ليدفع معور عن معور فيا هذا دع الخلق للخالق تسلم وتغنم والله المستعان.
وقال فضيلته: (إذا فالأصل حسن الظن بالمسلمين وحمل أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم على أحسن المحامل بل ينبغي التماس العذر لهم وإن أخطأوا باجتهاد أو تأويل سائغ يقول عمر رضي الله عنه:
(لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرا وأنت تجد لها في الخير محملا) ويقول عبدالله بن المبارك رحمه الله: (المؤمن يلتمس المعاذير والمنافق يتتبع الزلات والأخطر من ذلك حينما ينصب المرء نفسه رقيبا على نيات الآخرين حاكما على قلوبهم ومقاصدهم غير متورع عن رميهم بالفواقر والعظائم وطعنهم في الغلاصم بالقواصم دون أعذار أو عواصم يلغ في أعراضهم ولغا ويفري فيها فريا وإنك لواجد من ذلك في حياة الناس عجبا فسبحان الله عباد الله ماذا يبقى للأمة إذا طعن في علمائها وصلحائها وإذا نيل من فضلائها ونبلائها وأن من بالغ الخطورة أن تعقد المجالس والمنتديات يحضرها العشرات والمئات وينبري فيها دعي متحذلق فيطلق لسانه في أهل العلم والصلاح ذما والناس منصتون ساكتون خشعا أبصارهم يأخذون ذلك مأخذ القبول والرضا بل والفرح والتشفي بل ويسلمون تسليما أهكذا ربى الإسلام أتباعه؟ أين الذب عن أعراض المسلمين والحفاظ على سمعة الفضلاء الصالحين؟
إن الذب عن أعراض المسلمين لا سيما علماؤهم وصلحاؤهم فريضة باتت مطوية غير مروية وسنة أصبحت مهجورة منسية ألم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) وفي رواية ابن شيبة (وقاه الله لفح النار يوم القيامة) فيالله كم يزهد في هذا كثير من الناس ممن يتلذذون بالتفكه في الأعراض ويتشهون بل ويتشفون في ذلك فالله حسيبهم.
وأكد الشيخ السديس حاجة طلاب العلم في النوازل أن يولوا حارها من تولى قارها وأن يحذروا من المنافذ التي يتسلل منها المتربصون وينفذ منها الانتهازيون النفعيون المغرضون مع احترام رأي المجتهدين وحسن الظن بهم والتماس العذر لهم والذب عن أعراضهم ردا للعجز إلى الصبر وبناء للنتائج على المقدمات غير أن مصالح المسلمين العامة يا محب واجتماع قلوبهم وتوحيد مرجعيتهم في النوازل وعدم الابتياس عليها هو الأولى بالرعاية والعناية والاهتمام وبه تتحقق أعلى المصلحتين وتدرأ أعظم المفسدتين والله المسؤول بمنه وكرمه أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويجمع كلمة المسلمين على الحق ويصلح أحوالهم إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.
وأفاد أن من الوسائل المهمة في الحفاظ على صفاء المجتمع واجتماع وتآلف ذويه وانتضمام عقد أبنائه أن تتربى النفوس على العدل في المواقف والإنصاف من المخالف فالأمة أحوج ما تكون إلى إبراز هذه الخلة القويمة حفظا لبيضة الديانة وإقامة لاود الشريعة وذبا عن حرمات المسلمين خاصتهم وعامتهم وأخذا بحجج الأخوة والمحبين وسدا لباب الشانئين المغرضين ومن المعلوم أن الإنصاف نفيس وعزيز حتى لا يكاد نجمه أن يأفل في دنيا الناس فهذا الإمام الذهبي رحمه الله يشكو قلة الإنصاف في زمانه فيقول:
لقد صرنا في وقت لا يكاد الشخص يقدر على النطق بالإنصاف نسأل الله السلامة ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم وإذا طوي بساط النصف وتطاول أهل السفه والصلف استوى المحسن والمسيء والمحق والمبطل والظالم والمظلوم والبشر مجبولون على الانسياق وراء رغبات نفوسهم والسعي إلى مصالحها ولو على حساب النصف من الآخرين يقول داود بن يزيد سمعت الشعبي رحمه الله يقول: (والله لو أصبت 99 مرة وأخطأت مرة لعدوا علي تلك الواحدة) وطريق السلامة من ذلك هو التمسك بالكتاب والسنة وعفة اللسان وسلامة الصدور ولزوم الجماعة وفقه أدب الخلاف والدعاء الدعاء أما من تعرضوا للنيل والشائعات واكتووا بنار الأكاذيب والافتراءات فليهنأوا بذلك ولا يضجروا وليعلموا أن ذلك طريق المرسلين والأنبياء وأن المسلم عرضة للامتحان والابتلاء مع أخذ النفوس بالصلاح والإصلاح والدفع بالتي هي أحسن ثم لا بد من ترويض النفوس على الصبر والتحمل مع الثقة بالله وتغليب مشاعر التفاؤل فلا ترمي بالحجارة الشجرة المثمرة وما أحوج المحب إلى الثقة بالنفس والاعتدال في الرأي وتنسيق المواقف مع الحذر من اليأس والقنوط فلا يبقى في النهاية إلا الحق ولا يصح إلا الصحيح وكم من أمثال هذه النوابت والنتوءات واصلت أضرارها بالبراء فكانت نهايتها سقوطا مدويا وفشلا ذريعا.
|