Saturday 27th November,200411748العددالسبت 15 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

كيف طور الإنسان اللغة؟! كيف طور الإنسان اللغة؟!

******
الكتاب:The First Idea: How Symbols, Language, and Intelligence Evolved from our Primate Ancestors to Modern Humans
المؤلفان :Stanley Greenspan and Stuart Shanker
الناشر:Da Capo Press
******
يعيد هذا الكتاب تذكيرنا بالمقولة القديمة (تلك اليد التي تهز المهد تحكم العالم)، ومؤلفا هذا الكتاب أحدهما طبيب نفسي والآخر حكيم وفيلسوف، وقد اشتركا معًا في هذا الكتاب من أجل الإجابة عن هذا السؤال الهام: كيف قام الإنسان بتطوير اللغة.
ولتجنب الاصطدام مع نظريات كبار علماء العصر الحديث، بدءًا من جين بياجيت إلى نعوم تشومسكي وستيفن بينكر، فقد قاما بتقديم فروض نظريتهم الخاصة، وهي أن تطور اللغة يرتبط بصورة أساسية بالتأثير وليس الإدراك، عن طريق التعلم الوجداني الذي يحدث ما بين الرضيع وأولئك الذين يرعونه ويحبهم، وبذلك فإن اللغة متجذرة ليس في الجينات الوراثية للإنسان، وليس في تلافيف المخ؛ ولكنها متجذرة في السلوك الذي نتعلمه على مر مئات السنين.
وفي هذا الكتاب بدت عبارات (الذكاء الوجداني) و(المخ المرهف الحس) اقل تناقضًا عما كانت عليه عندما ظهرت لأول مرة في عناوين الأعمال الفذة لدنيال جولمان ومؤخرًا لأنطونيو داماسيو.ولكن في كتاب (الفكرة الأولى) فإن ستانلي جرينسبان وستيوارت شانكر يفترضون أن (الذكاء العاطفي) كما يمكن فهمه من العبارة، هو أحد (الجذور والفروع) للذكاء ذاته، ويضيفان أن (جذع الشجرة) هو مجموعة من القدرات التي يصفونها بأنها (القدرات التطويرية ذات الوظيفة العاطفية).
والمفهوم الأساسي لكتاب (الفكرة الأولى) هو ما يسميه المؤلفان (الإشارات الوجدانية ذات التنسيق المشترك)، وهم يعنون بذلك العلاقة العاطفية والوجدانية المتبادلة ما بين الطفل ومن يمنحه الرعاية المتغيرة؛ فالأم وابنها يقيمان علاقات اتصال عن طريق الأعين، وعندما تبتسم الأم لطفلها يبتسم الطفل بدوره ردًا على ذلك.
وسوف يكون من المبسط للغاية أن نقول إن المؤلفيْن يريان ألعاب التسلية بين الأم وطفلها - مثل تغمية الوجه ثم كشفه وغيرها من الألعاب - على أنها أساس الحضارة، ولكن الأمر لا يبتعد كثيرًا عن ذلك، ويقول المؤلفان إن هناك نوعا من (الحوار) بلا كلام، وهو ما يعد أساس تطور اللغة ما بين البشر الأوائل، والتي لا تزال ضرورية لكل طفل يتعلم النطق حتى يومنا هذا.
ثم ينتقل الطفل بعد ذلك إلى مرحلة (الاشتراك في حل المشكلات الاجتماعية)، والمؤلفان يعنيان بذلك التلويح للطفل باتجاه صندوق الحلوى.
وحتى قبل اختراع اللغة كان هناك تلويح سواء بالكلمات أو الأصوات أو عن طريق مهارات التعبير بالوجه واليد، ثم لغة الأطفال التي ينطقها الكبار تقليدًا لطفلهم، ثم محاولة الطفل متابعة إيقاع الكلمات.
وإتقان كل ذلك يساعد الطفل على تقنين وتكييف مشاعره، فيصبح قادرًا على الإشارة إلى صندوق الحلوى بدلاً من مجرد الصراخ وترك آبائه في حيرة ويحاولون تخمين ما يريده، وهذا التقنين من الطفل يقود إلى عملية تكوين (أفكار) بالمعنى الخاص الذي يستخدمه المؤلفان، فالفكرة (هي صورة يتم تحريرها من فعل تلقائي معين، ثم يتم استثمارها مع آثارها ومشاعرها (أي القصد منها لإعطاء المعنى)، أما التطور العقلي فيتعلق ب (ترويض المشاعر وتحويلها إلى إشارات).
ولكي يضعا تلك العبارات في صورة أكثر وضوحًا، عرض المؤلفان مثالاً لطفلة تبتهج فرحًا عندما تعلم أنها سوف تخرج مع والديها خارج المنزل، ولكنها تعلم أنها يجب عليها أن ترتدي حذاءها أولاً؛ فقد تعلمت الطفلة أن تقول كلمة (حذاء) في سياق شعورها بالإثارة لأنها سوف تخرج وتستكشف العالم الجديد.
ويقول المؤلفان إن الخبرات الوجدانية الحية تعد هامة جدًا لتعلم اللغة، ويضيفان أن علماء الرياضة والفيزياء يتعاملون مع الرموز المبهمة التي تمثل الفضاء والزمن والكمية، ولكنهم أولاً فهموا تلك المعاني بمفردها بمعزل عن رؤيتها، مثلما أن الطفل يريد لعبة بعيدة المنال عنه، أو الانتظار من أجل العصير، أو عد الحلوى، ولكن العباقرة الناضجون من العلماء مثلهم مثل الطفل المغامر، يكونون أفكارًا من خلال استكشافات وألعاب في خيالهم، ولكنها يتم ترجمتها بعد ذلك إلى نظريات رياضية أكثر صلابة ورسوخًا.
وفي هذا الكتاب لا يمكن أن نتهم الكاتبين بنقص الطموح، فإلى جانب نظرياتهم لتوضيح ارتقاء اللغات الإنسانية قاما بعرض فروض تعتمد على نظريتهم لتوضيح لماذا يكون هناك إنسان عيي غير قادر على التوضيح، كما عرضا طريقة للعلاج، وقدما تجربة قصيرة عن الفهم بالاستعانة بالحيوانات الذكية مثل الشمبانزي والبابون والأنواع الأخرى من القردة.
وقد قام المؤلفان بتقديم أبرز أعمال كبار العلماء مثل فرانز بواز وماكس ويبر وكلود ليفر شتراوس وإميل دوركايم وبيير بوردي وآخرين.
وعبر الكتاب، فإن المؤلفين لخصا نظريات أولئك العلماء الذين يتعاملون معها، وأوضحوا لماذا قاموا بذلك، في طريقة تعطي انطباعًا بالثقة في نزاهة وإنصاف المؤلفين.
كما قاما بإلقاء نظرة عامة على تاريخ العلم وتاريخ التاريخ ذاته؛ بدءًا من هيرودوت وثويكديدس، وبعد مناقشة نظريات ديسكارتس الأولى عن تقنية العقل البشري وتطور اللغة أذعنا بأنه أفضل من قدم أفكار القرن السابع عشر للثورة العلمية إلى الأذهان فيما يتعلق بالعقل البشري ذاته، فقد كان مفكرًا عظيمًا فيما يتعلق بمجال التفكير، وقد (جعل المنطق على أنه القوة الثورية).
وقد لا يكون هذا الكتاب خفيفًا أو بمثابة نزهة في الحديقة مثل بقية الكتب الأخرى التي كأنها نزهة منعشة في الغابات، ولكنه تجربة علمية تم الإعداد لها بصورة جيدة، وسوف يقف القارئ أمام العديد من النقاط البارعة التي ستوقفه طوال تصفحه لهذا الكتاب، وسوف يحظى قارئ كتاب (الفكرة الأولى) الذي يبذل وقته وطاقته فيه بمكافأة عظيمة في نهاية هذا الكتاب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved