******
الكتاب: EVA PERON
الناشر:Livre de poche - France
******
امرأة أرادت أن تكون أقرب إلى الشعب من الشعب نفسه.
أرادت أن تجسد جدارية المُواطنة التي تعني بالنسبة إليها: الوصول إلى هدف قد يكون الحكم نفسه.
ربما الاختلاف بينها وبين غيرها أنها لم تحلم بأن تكون المرأة الأولى في البلاد، كانت تحلم أن تكون ممثلة، طموحها بحجم الدور الرئيسي الذي أدته للمرة الأولى والأخيرة في فيلم يحكي عن محاولات إسقاط الكولونيالية الإقطاعية التي كانت الأرجنتين تعاني منها.
هي التي أحبها الناس من خلال صوتها وملامحها وطريقتها المدهشة في الإقناع، لم تكن لتعرف أنها ستكون سيدة الأرجنتين الأولى، والتي إلى يومنا هذا ما زال اسمها يثير الكثير من الجدال تارة ومن التساؤل تارة أخرى.
إنها: إيفيتا خوان بيرون، واسمها الحقيقي هو: أليسيا دويوفن أورتيز.
الكتاب الذي نتناوله، يحكي قصة هذه المرأة التي ما زالت تشكل الكثير من التساؤل، ربما لأن التاريخ لم يفصل فيها ولأنها أيضاً على الرغم من كل شيء ظلت بالنسبة للأرجنتينيين المرأة الأجمل التي كانت تنزل إلى الشارع مشياً على قدميها للحديث مع الناس.
كانت تلك الصورة الأشبه إلى الأسطورة التي استغلها النظام الحاكم في الأرجنتين إبان الخمسينات، ليس لأن إيفيتا كانت الوجه المناسب الذي يمكنه أن يصنع ما يشبه الغطاء لسياسات متناقضة قام عليها الحكم في تلك الفترة، بل لأنها كانت ذكية أيضاً وطموحة وأكثر من كل ذلك كانت جميلة جداً وهي الميزات التي جعلتها تثير انتباه ذلك الضابط الشاب الذي التقى بها صدفة في حفل عشاء، ليتزوجها ولتركب معه قطار الطموح نحو ما كانا يسميانه بالتغيير الجذري والذي كان يعني العودة إلى النظام الشعبوي كما قال (خوان بيرون) بمجرد وصوله إلى قيادة الأرجنتين في عام 1947م.
إيفيتا بيرون المرأة التي بدأت حياتها مقدمة إذاعية ثم ممثلة، عرفت من البداية كيف ترسم لنفسها الصورة التي ارتبطت بها إلى يومنا هذا، صورة امرأة شعبية، وقورة، امرأة حين تتكلم يستمع إليها الجميع، ليس لأنها كانت تقول أشياء خارجة عن المألوف، بل لأنها كانت تملك صوتاً (إذاعياً) اعترف الجميع بالانبهار به..
صوت يجعلك تصغي إليه باهتمام وتحبه باهتمام وتصدق ما يقوله باهتمام كتب عنها الأديب الكبير (غارسيا ماركيز) كما يقول الكتاب: لقد لعبت إيفيتا بيرون في حياتها القصيرة دورين خطيرين، لعبت دور زوجة رجل أسقطه الشعب الأرجنتيني بتهمة الديكتاتورية المطلقة عام 1955، ولعبت دور الأرجنتينية البسيطة التي حاولت أن تخيط ما مزقته السياسة البيرونية من جهة وما مزقته الطبقية المنتشرة في البلاد، ففي الخمسينيات كانت كل الطرق تؤدي إلى التغيير، وهو ما أدى في النهاية إلى إسقاط خوان بيرون ونفيه إلى الخارج.
كانت إيفيتا صورة تشبه الأرجنتين بتناقضاتها، لهذا ظل التاريخ محتاراً أين يضع هذه المرأة التي قتلها السرطان في الثالثة والثلاثين من العمر.
كانت آخر صورة لها حين وقفت أمام الشعب بعد أحداث 1951م. وقفت شاحبة ومتعبة لتقول إن .. لا أحد سيعيش إلى الأبد ولكن الوطن فقط يبقى مهما طال الزمن... قالتها وأجهشت بالبكاء.
دموع جعلت الأرجنتينيين يبكون معها، ربما من دون أن يفهموا أن إيفيتا خوان بيرون كانت تبكي على نفسها، إذ إنها وبعد أشهر من ذلك الخطاب توفيت تاركة خلفها ملامح امرأة لم تعش طويلاً، ولكنها عبرت على دولة لتبقى إلى اليوم تثير كل هذا الجدال الذي ما زال يبدأ بنفس السؤال: من هي إيفيتا بيرون حقاً؟ سؤال منقوش أمام قبرها في بيونس أيرس.
سؤال ربما سيرد عليه التاريخ ليوصل أجيالاً كثيرة إلى نفس الخيط، على الرغم من أن تلك المرأة تشكل اليوم جسر عبور بين الحقيقة والخيال. يقول الكتاب.
|