Saturday 27th November,200411748العددالسبت 15 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

من 11 سبتمبر إلى فضيحة أبو غريب من 11 سبتمبر إلى فضيحة أبو غريب
كواليس إدارة الرئيس بوش في حربها على الإرهاب

*******
الكتاب: Chain of Command: The Road from 9/11 to Abu Ghraib
المؤلف: Seymour M. Hersh
الناشر: HarperCollins
*******
ربما لن يكون سيمور هيرش آخر الرجال الغاضبين في الصحافة السياسية الأمريكية، ولكنه بلا جدال من أكثرهم حنقاً.
ومن الصعب تخيله ينتج شيئاً مبتذلاً، من حكايات سردية كما يتهمه بذلك بوب ودوارد من الواشنطن بوست. وهذا ليس صحيحاً؛ فسيمور هيرش لا يزال يمثل الصحافة الرقابية التي تلاحق الأخطاء والانتهاكات بقوة، فهو يتكلم بصورة احترافية؛ فقد نصّب هيرش نفسه على صدارة صحافة التحقيقات في الولايات المتحدة منذ 35 عاماً عندما فجر فضيحة مذبح ماي لاي الفيتنامية، والتي نال عنها جائزة بوليتزر الصحفية، ومنذ ذلك الحين تحدى هيرش النخبة في السلطة الأمريكية بنشره قصصاً لا يستطيع آخرون - أو لا يرغبون - في سردها.
وقد جاء كتابه الرائع (سلسلة القيادة) في توقيت جيد للغاية، وقد جمع مجموعة كبيرة من قصصه التي نشرها في مجلة النيويوركر وأعاد ترتيبها وتنقيحها لتناسب طبيعة كتابه، وتحاول الإجابة على الأسئلة الشائكة التي تدور في عالم الأنباء اليوم، وبكلمة (اليوم) نعني يوم 21 سبتمبر 2004؛ فمن المسؤول عن انتهاكات سجن أبو غريب على سبيل المثال؟ كيف اختلطت المعلومات الاستخبارية عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، سواء من ناحية كونها مغلوطة أو كونها فقيرة في كميتها، بهذه الصورة الكبيرة؟ كيف سارت الأحداث في أفغانستان؟
وقد جاء كتاب (سلسلة القيادة) ليبدأ بهجمات الحادي من سبتمبر بعد أن حشدت أمريكا تحالفات عالمية في حربها على الإرهاب، لينتهي الوضع بها بعد سنوات ثلاثة بقليل من الأصدقاء وكثير من الأعداء، ثم يعرج على القرار الأمريكي بشن حرب وقائية ضد العراق بناء على معلومات استخباراتية خاطئة، وبربط صدام حسين بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومزاعمه بشحنات أسلحة الدمار الشامل التي عرضها باول في الأمم المتحدة، وكيف أن ذلك أدى إلى فقدان الإدارة لمصداقيتها في العالم واحترام المجتمع الدولي لها.
وكيف أن هاجس الإطاحة بصدام حسين قد أصبح أولية أولى لدى الإدارة الأمريكية، حتى عندما كانت القوات الأمريكية تخوض حرباً في أفغانستان ضد تنظيم القاعدة، وكيف أن حرب العراق ساعدت تنظيم القاعدة ومنحته الوقت اللازم لتجنيد المزيد من المتعاطفين وحشد المزيد من الأعداء للولايات المتحدة.
كما يتساءل كيف أن حفنة من ثمانية أو تسعة أشخاص من المحافظين الجدد استطاعوا إقناع الإدارة بأكملها باتخاذ تلك الخطوة الكارثية.
هيرش لا يحظى بقبول كبير في نظر العديد من أعضاء الإدارة الأمريكية الحالية، ومن خلال مهنته كصحفي فتح العديد من الملفات التي اشتكى من تعرضوا لها بأنه مجرد صحفي يريد الشهرة والمال، وريتشارد بيرل المسؤول السابق في وزارة الدفاع أحدهم، وقد وصف هيرش بأنه أقرب (شيء في الصحافة الأمريكية إلى الإرهابيين)، كما اتخذ البنتاجون خطوة غير مألوفة بأن أصدر تفنيداً لكتابه حتى قبل دخوله المطابع.
وقد جاء الفصل عن انتهاكات سجن أبو غريب في هذا الكتاب ليكون أكثر أجزاء الكتاب تشويقاً وتركيزاً، بالرغم من أنها ربما لم تكن أكثر الأجزاء إقناعاً. وهيرش لم يكن هو (حرفياً) من قام بتفجير فضيحة سجن أبو غريب، كما أنه لم يدع ذلك في كتابه، ولكن كان ذلك بسبب حيازته لعدة صور سيئة السمعة لانتهاكات المعتقلين في سجن أبو غريب، وقد قررت مجلة النيويوركر نشرها، مما أجبر قناة سي بي إس الأمريكية إلى أن تهرع هي الأخرى لنشر ما لديها من صور بهذا الصدد على الهواء أمام العالم أجمع. ووصف هيرش للعمليات والتقنيات القسرية التي مارسها الجيش الأمريكي ضد المعتقلين (بعضهم يصفها بأنها تعذيب) أثارت كآبة وحنق داخل نفوس جميع من تابع تلك القضية على مر الشهور الأخيرة التي تلت تلك الفضيحة، ومعظم ما كتبه هيرش في كتابه كان عبارة عن معلومات وتفاصيل كشفها محققو الجيش أنفسهم، وبخاصة التقرير الداخلي القاسي الذي أصدره الميجور جنرال أنطونيو تاجوبا، ولكن هيرش حاول أن يوضح تلك الإجراءات بوضعها في سياق أكبر من ذلك، وهو أن تلك الانتهاكات وقعت أيضاً في أفغانستان، وفي مركز الاعتقال الأمريكي بخليج جوانتنانامو بكوبا، ويقول إن تلك كانت رغبة يائسة من البنتاجون للحصول على أية معلومات استخباراتية نافعة تتدفق إلى القيادة العليا من خلال الضباط الأمريكيين في كل مكان. وقد بات كبار مسؤولي الجيش مقتنعين بأنه في هذا النوع الجديد من الحروب يجب أن يعاد تطبيق القواعد القديمة في الاستجواب، كما يزعم هيرش أن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قد أعطى أوامر بنفسه بتكوين فريق سري من المسؤولين الأمريكيين خول لهم كافة الصلاحيات لانتزاع المعلومات، أو اغتيال أي مشتبه به في الإرهاب في أي مكان في العالم. كما كشف هيرش كيف أن التعذيب والإساءات المتكررة لم تكن بمثابة تصرفات حفنة (فاسدة)، وكيف أن تلك الممارسات كان يعلمها رجال البنتاجون وأعضاء الإدارة الأمريكية على أعلى المستويات.
وقال هيرش في كتابه: (إن جذور فضيحة سجن أبو غريب لا تكمن فقط وراء نزعات إجرامية فردية لحفنة من احتياطيّ الجيش الأمريكي، ولكن تكمن أيضاً في اعتماد جورج بوش ووزير دفاعه رامسفيلد على العمليات السرية واستخدام إجراءات قسرية عقابية في مكافحة الإرهاب). ومن المؤكد أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد لن يرسل بطاقة معايدة لهيرش هذا العام؛ فرئيس البنتاجون تم تصويره في هذا الكتاب على أنه قام بدك وتدمير رئاسة الأركان الأمريكية مثل دبابة برادلي هاربة، مصراً على تمزيق خططهم اللوجستية الشاملة لصالح توجه أسرع وأخف نحو الغزو. وهذه الطريقة كان لها انعكاساتها بعدما ازدهرت المقاومة العراقية ولم تكن هناك قوات أمريكية كافية للقضاء عليها، وكما كشفت المزيد من التحقيقات منذ أن كتب هيرش كتابه، ففي الوقت الذي كانت فيه الانتهاكات تحدث في سجن أبو غريب، كانت القيادة العسكرية الأمريكية في العراق غارقة في ورطة النقص الحاد في الأفراد. ولكن رامسفيلد لم يكن الهدف الوحيد لهيرش في انتقاداته لتلك الإدارة، فقد نال ريتشارد بيرل خبير البنتاجون المحافظ حظاً كبيراً من تلك الانتقادات، وقد عمل بيرل كرئيس للجنة استشارية هامة للبنتاجون في الماضي، وقد قدّم بيرل استقالته من منصبه بوزارة الدفاع بعدما قام هيرش بتفصيل ما بدا أنه تضارب بين عمل بيرل كأحد المستثمرين في مؤسسات وزارة الدفاع وبين منصبه الداخلي بالبنتاجون.
ولم ينفذ بيرل تهديده ضد هيرش برفع قضية تشهير ضده بعد، وربما لن يتم ذلك الآن لأن بيرل في ورطة كبيرة للغاية بسبب مزاعم وجود تلاعب مالي فيما يتعلق ببعض المعاملات مع مجلس إدارة مؤسسة (هولينجر) الأمريكية. وكما يوضح لنا مثال بيرل، فقد أظهر سيمور هيرش براعة فائقة وقدرات كبيرة على استنباط الضربات الصحفية الموفقة قبل أن تظهر بفترة طويلة، فقد قام بتوجيه انتقادات لاذعة لأحمد الجلبي الذي كان من عراقيي المنفى والذي كان مقرر له أن ينال منصباً كبيراً في الحكومة العراقية، ولكنه هاجمه على صفحات النيويوركر قبل فترة طويلة من ثبوت أن الجلبي على اتصال بإيران ويقدم لها معلومات بصفة مستمرة. ولكن كما يقول النقاد فإن معظم معلومات هيرش يستقيها من مصادر مجهولة الهوية، وهذا بلا شك يمكن أن يقود إلى بعض الأخطاء، أو على الأقل مبالغات قد يروج لها أناس لأن لهم أجندتهم الخفية الخاصة بهم، بدون توريط أسمائهم في ذلك.
ولكن هل هناك بالفعل برنامج سري خاص لتصفية قادة الإرهاب في أي مكان؟ هذا السؤال سوف يكون من الصعب الإجابة عليه إجابة حاسمة ولعدة سنوات قادمة، كما كيف يعلم القارئ أن (مسؤول استخباراتي سابق) على إحدى صفحات الكتاب ليس هو نفسه (خبير سابق بالتجسس) في صفحة أخرى، ولماذا استخدام عبارة (ضابط بحري متقاعد) للتعليق على عمليات عسكرية للجيش الأمريكي؟
ومن المؤكد أن هناك سبباً لبوب ودوارد في أن يتهم هيرش بأن كل ما يكتبه عبارة عن سرد، ويشكك في أن ما يكتبه (يمكن أن يقرأ).
وفي هذا الكتاب (سلسلة القيادة) يطلع سيمور هيرش القراء على كواليس إدارة الرئيس بوش وحربها على الإرهاب، ويسلط مزيداً من الضوء على الأكاذيب والهواجس التي قادت أمريكا إلى غزو العراق، كما يكشف عن علاقات الخطوات الخاطئة الأولى في تعقب قادة تنظيم القاعدة وما حل من كوارث على أرض العراق.
كما يحاول هيرش في كتابه أن ينظر إلى فضيحة سجن أبو غريب بنظرة جديدة ويحاول أن يحدد من تقع عليهم مسؤولية تلك الانتهاكات في النهاية.
كما أورد هيرش في كتابه مصادر من أعلى المستويات في الحكومة الأمريكية ومجتمع الاستخبارات داخل وخارج الولايات المتحدة، وفي أرض المعارك ليصل إلى رؤية متعمقة لذلك الفصل الجديد من التاريخ الأمريكي المعاصر، وقد جاء كتاب (سلسلة القيادة) ليرسم صورة معبرة عن الإدارة الأمريكية التي تسير عمياء وراء أفكار رئيس جعلت قراراته العالم أكثر خطراً على الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول النقاد أن مهارة سيمور هيرش تكمن في كشفه للتقارير الرسمية الأمريكية التي ظلت مدفونة داخل أروقة قادة الحكومة أو الجيش، الذين يرونها أنها تكشف الكثير من المعلومات التي لا يجب معرفتها وتفضح الكثير من الأسرار، وفي كتابه (سلسلة القيادة) جاءت العديد من القصص المماثلة لذلك، وبخاصة فيما يتعلق بالطريقة التي يتم بها جمع المعلومات الاستخباراتية وكيفية شيوعها بين أفراد إدارة الرئيس بوش. وقد قام هيرش بتفصيل كيفية صنع القرارات الخطيرة في السر على يد حفنة من الأشخاص من غير ذوي المراكز المرموقة في الحكومة أو في الجيش، والذين يقومون بانتقاء عدة معلومات بعينها ليتم التركيز عليها دون معلومات أخرى، ويرى أن جزءاً من المشكلة يكمن في نقص الأفراد العاملين في الوكالات الاستخباراتية في المناطق الهامة من الشرق الأوسط، ولكن الأمر يتعلق أيضاً وبصورة كبيرة بالمنافسة الداخلية الشديدة داخل الإدارة الأمريكية من أولئك الذين يحاولون جعل تلك المعلومات الاستخباراتية تتوافق مع النتائج التي افترضوها مسبقاً.
وأكبر مثال على ذلك هو التقارير عن الملفات التي تزعم كيف أن العراق قد قام بشراء اليورانيوم من النيجر من أجل صنع أسلحة نووية، في حين ثبت بعد ذلك أن تلك الملفات تم تزويرها، ولكن بالرغم من ذلك ظلت إدارة الرئيس بوش تستخدمها كدليل ضد صدام حسين وبالتالي كسبب من ضمن أسباب غزو العراق.
وفي هذا الكتاب يزيح سيمور هيرش الستار أمام القراء عن العديد من الأشياء الغامضة التي حدثت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما يجب أن نتوقعه في المستقبل.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved