تتداول الصحف وبالأخص كتاب المقالات، والمحللون السياسيون في الفضائيات والاذاعات مصطلحات جديدة قديمة، بعضها أصبح معبراً عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي فرضته المتغيرات الدولية والمحلية، ومن بين هذه المصطلحات مصطلح (اليمين المسيحي) و (المسيحيون الجدد).
هذان المصطلحان اللذان هما في الحقيقة يعبران عن توجه سياسي ديني جديد في الولايات المتحدة الأمريكية، يدور الحديث عنهما عند الكلام عما تشهده أمريكا من تفاعلات سياسية واجتماعية للدور الكبير والفعال للتيار اليميني للمسيحيين الذي يقوده كما يسمونه في أمريكا وخارجها المسيحيون الجدد.
كيف يفكر اصحاب هذا التيار المسيحي اليميني، وكيف يتعاملون مع القضية الفلسطينية وعلاقتهم بالكيان الاسرائيلي، وجذورهم التوراتية التي يستمدون منها مواقفهم السياسية المساندة لاسرائيل.
والواقع أن الكثيرين ممن يتداولون مصطلحات (المسيحيون الجدد) لا يمتلكون رؤية كاملة وواضحة عن أصحاب هذا التيار الديني السياسي، ولهذا فإن تصدي مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية لهذه الظاهرة السياسية الدينية، وإصداره كتيب (المسلمون في أمريكا ومعوقات التحالف مع اليمين المسيحي) يُسد فراغاً كبيراً في المعرفة السياسية المعاصرة لما يهم المتلقي العربي ولعله من المناسب عرض مقطع مما نشر في الكتيب عن موقف هذا التيار السياسي الأمريكي من اسرائيل، حيث يورد المؤلف دي جبسون بيتر غرين بأن قادة اليمين المسيحي يؤمنون بأن اقامة اسرائيل في 1948م وسيطرتها على كل مدينة القدس هو تحقيق لنبوءات توراتية وآيات تدل على أن المجيء الثاني للمسيح أصبح أمراً وشيكاً. فقد كتب بات روبرتسون أن (إعادة تجمع اليهود في إسرائيل هو دلالة واضحة، لما ورد في كل من العهد القديم والعهد الجديد، أن عصرنا الحالي على وشك الانتهاء. قال المسيح:( سيدوس غير اليهود القدس حتى يتحقق وضعهم). في 6 يونيو 1967، سيطر اليهود، ولأول مرة منذ سقوط القدس على يد نبوخذ نصر في 586 قبل الميلاد، على كل مدينة القدس، وهذا علامة على وشك نهاية القوة العالمية لغير اليهود. فوق ذلك يميل زعماء اليمين المسيحي إلى الاعتقاد الراسخ بأن مصدر القوة العسكرية الاسرائيلية ليس مجرد المساعدة الأمريكية، وإنما هو يد الله. ويزعم فولويل أن الله تدخل من اجل إقامة دولة إسرائيل في 1948، واحتلال إسرائيل للقدس الشرقية خلال حرب الأيام الستة في 1967م. من المستحيل أن تصمد هذه الدولة الصغيرة، إسرائيل، أمام العرب في حرب الأيام الستة الاعجازي دون تدخل من الله القدير.
ولهذا يعتقد قادة اليمين المسيحي، مثل روبرتسون، أن وراء أي مبادرة دبلوماسية تطالب الإسرائيليين بالتنازل عن أي جزء من مدينة القدس هي، أساساً، يد الشيطان. وبالإضافة إلى ذلك تجدر ملاحظة أن زعماء اليمين المسيحي، في كثير من الأحيان، عندما يتحدثون عن (إسرائيل) لا يقصدون بذلك مجرد إسرائيل 1948م، أو حتى إسرائيل 1967، وإنما (إسرائيل الكبرى)، التي تضم كل البلاد من نهر مصر (وادي العريش بالقرب من غزة) شمالاً إلى نهر الفرات. ومثل هذا الرأي يشير إلى أن (إسرائيل) تملك حقاً إلهياً على كل الهلال الخصيب تقريباً.
ورغم الاعتقاد أن إسرائيل لن توسع حدودها لتشمل الوعد الرباني قبل مجيء المسيح، إلا أنه يعتقد عموماً أنه (وفق المصطلحات الحديثة، تملك إسرائيل بحق كل إسرائيل الحالية، وكل لبنان، ونصف سوريا، وثلثي الأردن، وكل العراق، والجزء الشمالي من العربية السعودية، وكل هذه الأراضي الشاسعة سيملكها الإسرائيليون حتى آخر بوصة مربعة.
وعندما سئل فولويل فيما إذا كان وجود علاقة قوية بين إسرائيل والولايات المتحدة) تمنع وجود (علاقة قوية مماثلة بين العرب والولايات المتحدة) أجاب بالنفي، إلا أنه صرح بشكل لا لبس فيه أنهبداية يجب على العالم العربي أن يفهم ويقبل أن (إسرائيل هي جزء أساس من أمننا القومي)، عندما تستوعب الدول العربية هذه الحقيقة، بدلاً من محاولة تجاهلها، ربما يشكل هذا الخطوة الأولى في العلاقة العربية الأمريكية المتبادلة. ولكن فولويل مع هذا، حذر من مثل هذه العلاقة، حيث قال:( لا نستطيع ربط أنفسنا بشكل حميم جداً مع دول ترفض طريقة حياتنا الأساسية، وتمارس معنا ابتزازاً اقتصادياً وسياسياً.
هذه هي آراء اليمين المسيحي الذي يسيطر الآن على الإدارات الهامة في ادارة بوش الابن الجديدة.. وعلينا أن نستعد لمزيد من التعنت وفرض النهب الإسرائيلي للأراضي العربية.. ومزيداً من الانحياز والقرارات التي ستدعم الظلم والنهب الاسرائيلي مثلما قانون معادات السامية وغيرها في القوانين المجحفة.
|