الانتخابات لها جذور اجتماعية في مسارات الثقافة والفكر الإنساني سلوكياً ومعرفياً وربما كان لها ارتباط أكبر بالدين في الديانات السماوية ولعل التمثيل بالدين الإسلامي أقرب في خطابنا المعرفي دلالةً واستدلالاً، ففي مجال الشورى هنالك اختيار سواء أكان بالبحث عن ذوي فكر ورأي وحجى أو بالانتخاب الديموقراطي الحر من خلال الاقتراع المباشر في جولات. وكلما تكاثر المنتخبون تكاثرت الرؤى والخيارات، وكان لولي الأمر - صانع القرار - سلامة وحسن أداء في القطع في الشأن. وفي مجتمعنا السعودي مازال المسار والنهج في هذا المسار ثقافة تدين ونهج صيرورة على الأقل في الثقافة الشعبية من خلال مايجري من انتخابات لأرباب المهن والحرف ومؤسسات الطواف والزمازمة والإدلاء والشركات المساهمة والغرف التجارية الصناعية، والمؤسسات الجامعية وما أقر أخيراً من لجان العمال في المؤسسات الصناعية والتجارية؟ بل إن المجالس البلدية ما برحت ان كان لها الأولوية في الممارسة لولا أن تعثر استمرارها خلال العقود الثلاثة الماضية وتعطل أعمالها، وربما يعود ذلك في كثير من الأحوال إلى توسع الإدارات البلدية ونمو التطور العمراني والسكاني، دون أن يصاحب ذلك ما يماثله في المجالس البلدية؟ ولعل مكة المرمة التي لا تزال بلديتها تسمى (أمانة العاصمة) هي من أولى المدن التي مارست الانتخابات البلدية وكذلك المدينة المنورة والرياض وغيرها في هذا الشهر شوال 1425هـ انطلقت مجدداً الانتخابات البلدية في العاصمة الإدارية مدينة الرياض لانتخاب نصف أعضاء المجلس البلدي انتخاباً حراً مباشراً كمرحلة هذا أولى تليها بقية مناطق الوطن السعودي لتكوين 179 مجلساً بلدياً ولعل ما صدر من قرارات تنظيمية من وزير الشؤون البلدية والقروية في شأن الانتخابات البلدية قد بدئ في تفعيلها مباشرة من خلال اللجنة العامة للانتخابات التي عين لرئاستها أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبدالعزيز، وهو أكاديمي وباحث محترف محترم. كما تم تعيين مؤسسة إعلامية للقيام بالإعلام والإعلان، ومع تباشير العيد انتشرت اللوحات الإعلامية في الشوارع ؟؟ ما سوف أتطرق إليه هنا سيكون في إطار لغوي وتساؤلات عن المآلين في مدارين هما حقيقة وأخرى رؤيا ورؤية.
أولاً: الحقيقة مدار لسان ومفاهيم إنسان مافي اللغة فقد عدت إلى لسان العرب لابن منظور، ووجدت أن المعجم قد قال: انتخب الشيء: اختاره، ونخبة القوم خيارهم والانتخاب: الاختيار والانتقاء ونخبة المتاع: المختار ينتزع منه وفي حديث أبي الدرداء: (بئس العون على الدين، قلب نخيب، وبطن رغيب) والنخيب: الجبان الذي لافؤاد له (وقيل الفاسد الفعل، والمنخوب الذاهب اللحم المهرول، لكن في المقابل وجدت أن نجب هي أقرب معنى من نخب وأكثر دلالة وهذا ما جاء في لسان العرب: نجب: في الحديث أن كل نبي أعطي سبعين نجباء رفقاء) وقال ابن الأثير: النجيب: الفاضل من كل حيوان وفي الحديث: إن الله يحب التاجر النجيب أي الفاضل الكريم السخي، ومنه حديث ابن مسعود: الأنعام من نجائب القرآن، أو نواجب القرآن، أي من أفاضل سوره، وقال ابن سيده: النجيب من الرجال الكريم الحسيب، ورجل نجيب أي كريم بين النجابة والنجبة، والنجيب من الإبل القوي منها، الخفيف السريع، والمرأة منجابة ومنجاب: ولدت النجباء، ونسوة مناجيب، والنجابة مصدر النجيب من الرجال، والمنتجب: المختار من كل شيء، وقد أنجب فلان فلاناً، إذا استخلصه واصطفاه، واختاره على غيره، وفي اللاحق للسابق فقد وجدت في اللسان أن (نجث) الشيء أي استخرجه، وتنجث الأخبار: بحثها، ورجل نجاث: بحاث عن الأخبار وعن الأصمعي: نبثوا عن الأمر ونجثوا عنه وبحثوا، ورجل نجاث ونجث: يتتبع الأخبار ويستخرجها وفي حديث عمر رضي الله عنه: انجثوا لي ما عند المغيرة فإنه كتامة للحديث والنجث: الاستخراج.
ثانياً: رؤيا ورؤية اخالني قد رأيت رؤيا سيميائية وفيها تعبيرات ربما هي في حاجة إلى معبرين معتبرين لا عابرين المشهد يرى أن ما صدر من تنظيمات ولوائح وتعليمات لم يشر إلى تحديد الدوائر الانتخابية تحديد مكانياً - جغرافياً في المدينة أو البلدة مع أنه قد تم تحديد مراكز الانتخاب وقيد الناخبين رغم أن المادة 1 فقرة 8 قد أشارت إلى أن الدائرة الانتخابية هي نطاق مكاني يحدد بقرار وزاري وتجري فيه عملية الانتخاب بينما حددت المادة 4: يصدر قرار وزاري بإنشاء الدوائر الانتخابية يحدد نطاق كل دائرة وعدد الأعضاء المراد انتخابهم ومع هذا فلم يتم شيء من هذا ولا يعلم كيف سيكون الترشح وفي أي نطاق في مدينة الرياض التي سيتم التنافس بين المترشحين على سبعة مقاعد في المجلس البلدي؟؟ هل سيكون هنالك سبع دوائر انتخابية وبالتالي طالما أن الرياض له مجلس بلدي واحد فهل هي إطار مكاني واحد أم أن كل دائرة سيكون لها إطار مكاني؟ هل سيكون شمال الرياض دائرة انتخابية واحدة؟ وكذا الجنوب والشرق والغرب والوسط؟ ثم هل الرياض هي تجمع سكاني لكل سكان الرياض أم ان كل طرف أو أي تحديد آخر هو تجمع سكاني، فهذا ما لم توضحه اللوائح ولا القرارات ولا النظام؟؟ وهنا فليس معروفاً كيف سيتم التعامل مع الإقرار على نموذج قيد الناخب أنه مقيم في نطاق المجلس البلدي الذي تقدم بطلب القيد فيه؟؟ هل حي منفوحة والريان والمصيف وحطين والدخل المحدود والشفا هي نطاق المجلس البلدي لمدينة الرياض أم أن هنالك تصنيفاً آخر؟؟؟ ويمكن استحضار الاستشكال هذا مرة أخرى من خلال نص الفقرة 16 من المادة الأولى من اللائحة التي نصها: ورقة الاقتراع هي ورقة يثبت فيها الناخب أسماء من يختارهم من بين المرشحين، وفقاً للعدد المحدد لكل دائرة انتخابية وفي الرؤيا مشهد تخيلي علمي مساره القصصي السردي يقول إن هنالك ثلاثة مدارات في أفق الانتخابات هي:
1 - لقد بلغ عدد مراكز الانتخابات وقيد الناخبين في المملكة 1000 مركز، وقد حدد أن يكون الحد الأقصى لكل مركز 3200 ناخب يسمح بتسجيلهم، وهذا يعني أن جملة الناخبين ربما سيكون في حدود 3.2 ملايين ناخب من إجمالي مواطني المملكة العربية السعودية؟ وهذا يتوافق مع معطيات استنتاجية من أن سكان البلاد هم في حدود عشرين مليوناً، يتم حساب استبعاد نسبة 50% وهم النساء، ويتبقى 10 ملايين، يستبعد منهم 50% وهم من هم تحت سن 21 سنة، ويتبقى 5 ملايين، يستبعد منهم العسكريون ومن له علاقة تعاقد أو عمل مع البلديات وهنا نفترض أن من بقي وله حق الانتخاب سيكون في حدود 4.5 ملايين مواطن سعودي؟؟ وإذا طبقنا هذا على مدينة الرياض وافترضنا أن سكانها 5 ملايين ونقصنا النسب السابق ايرادها فإن جملة الناخبين لن تزيد على ربع مليون ناخب، ويؤكد هذا أن عدد مراكز الانتخابات في مدينة الرياض 79 مركزاً سوف يكون إجمالي عدد المسموح بالتسجيل فيها 79 * 3200 = 252800 مواطن - ناخب وبقسمة هذا العدد على 7 دوائر انتخابية فإن الحاصل سيكون 36114.29 ناخباً وإن كانت الدوائر 14 فيكون لكل دائرة (18058.15) ناخباً وهنا فإن عدم تحديد الإطار المكاني للدائرة أمر محير للناخب والمترشح.
2 - بما أن تحديد الدوائر قد ربط بصدور قرار وزاري، والقرار الوزاري لن يصدر إلا بعد معرفة عدد الناخبين المسجلين فقد يكون في ذلك دلالات معينة على نوعية وتجانس الناخبين أو عدم الإقبال من السكان على التجاوب والتسجيل ما قد يقود إلى التقرير بوجود إشكال قانوني يبطل سلامة إجراءات سير الانتخابات ويأتي الرأي بتأجيل الانتخابات إلى دورة لاحقة، ولكن لن تتخلى الحكومة عن إعلانها إجراء الانتخابات وبالتالي يصدر قرار بتعيين أعضاء المجلس البلدي بالكامل؟؟ وبما أنه لايُبنى حكم على الرؤيا، فهذه الرؤية هي تعبير عن الحل والحال والمآل وأهلا بكم أيها السعوديون ناخبين ومنتخبين ونجب ونجباء ونجثاء، باحثين عن الأخبار والأخيار ليمثلوكم في تطوير الخدمات البلدية والارتقاء بالوطن. أدعوكم للمبادرة بالتسجيل وممارسة الانتخاب فهذا أمر بالغ الأهمية لكي نظهر أمام العالم المتحضر اليوم أننا أهل للرقي والتحضر، وأننا أكفاء للتعامل والمعاملة والمبادرة بالنخب الأول فهذا نخب سيليه في بقية أطراف الوطن ثانٍ وثالث.
باحث ومستشار إعلامي
|