من المواقف الطريفة التي كنت أسمعها أثناء عملي قبل سنوات بالملحقية الثقافية السعودية بلندن ، واحتكاكي بشرائح وفئات عديدة موجودة على التراب البريطاني ، ما تسمى بجماعة المعارضة لإحدى الدول العربية .. وهم أشخاص مثقفون واعون متناثرون في مواقع الكثافة العربية ، في مقاهي الوايت ليز ، وشارعي الكوينزوي والايديجور رود .. والشوارع المتفرعة منهما .. وتجتمع هذه الشخصيات التي تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والثقافي ، وتبدأ في تحليل المواقف وتقديم التفسيرات .. وإعطاء الرؤى المختلفة .. لقضايا بلادهم والشرق الأوسط وأوروبا وبريطانيا بشكل خاص .. وقد كانت توصف هذه المعارضة من قبل أبناء جلدتهم بأنها أفضل معارضة يتمناها نظام سياسي في العالم ، حيث انها معارضة مهذبة ، تعارض دون منهج عنف ، وتعترض دون فكر سياسي وبدون آليات تغيير وتحول واضحة ، وبدون تواصل شعبي .. ولهذا فقد تربعت هذه المعارضة لسنوات طويلة جداً ، وهي تريد أن تسترزق على هذه المهنة الجديدة في عالمنا العربي. هذا على مستوى المعارضة لهذه الدولة العربية ، فقد شكلت من خلال تركيبتها وبنائها قوة لنظام الدولة العربية التي ينتسبون إليها .. وزادت المعارضة ذلك النظام قوة وثباتاً واستقراراً .. أما على صعيد المعارضة السعودية في لندن ، من قِبَل كلّ من سعد الفقيه ومحمد المسعري ، فهي أشبه بالمعارضة التي أشرنا إليها سابقاً .. فهي معارضة تؤدي هدفا - غير مقصود - في تقوية النظام السياسي والاجتماعي في المملكة .. وفيما يلي تحليلا عما يسمى بالمعارضة السعودية ، وتحديد آليات التكتيك التي تستخدمها:
1- من يستمع إلى إذاعات أو قنوات هذه المعارضة ، يلاحظ من أول وهلة ، إنها معارضة تبذر فناءها ، ونهايتها من أول كلمة تقولها ، ومن أول منشور تعلنه .. وهذا ما يشعر به المواطن السعودي ، وهو يستمع إلى مثل هذه المعارضات الخارجية .. فهذه التركيبة من الأفكار والشخصيات والمواقف تزرع بما لا يدع مجالا للشك بذور نهاية لهذا الفكر الاعتراضي .. بمجرد الاستماع إلى المقولات الرئيسية لقيادات هذه المعارضة.
2- من يستمع إلى مقولات المتزلفين لهذه المعارضة عبر قنواتهم الإعلامية ، يجد أنها مهاترات ساذجة ، وتتسم بسطحية كبيرة ، وتتبنى فكرا مشوشاً .. فهي معارضة مبنية على الحقد الأسود والعُقَد الشخصية والفكر المتطرف .. وهي محاولات للاسترزاق من ثروات الوطن.
3- توهم المعارضة مَن يستمع إليها بوجود أعداد كبيرة من المؤيدين لها من داخل المجتمع ، ولكن من يحلل تحليلا علميا هذه الأصوات يجد أنها لا تتعدى العشرات ، والتي تتكرر مرات ومرات عديدة .. ولن تتعدى بأي حال من الأحوال مائة ، من بينهم ثلاث أو أربع نساء يحملن حقداً هائلاً على هذا المجتمع .. إضافة إلى استخدام دليل التلفونات من مختلف مدن المملكة وقراءة أسماء الشخصيات المنشورة في الصحافة السعودية لاقتباس هذه الأسماء ، وترويجها على أنها شخصيات معارضة .. وما شاهدناه من السيل الكبير من تصريحات تكذيب من هذه الشخصيات خلال الأشهر الماضية هو خير دليل على ذلك.
4- من خلال استعراض الأسماء المتناثرة يمينا وشمالاً ، شرقا وغرباً يلاحظ المواطن العادي أن هذه الشخصيات في معظمها ذكرت في أوساط الشرائح والفئات التي تنتسب إليها .. وتم - عمداً - إقحام أسماء بعض القبائل والأسر في محاولة مكشوفة للتأثير على العقول الضعيفة وأصحاب النفسيات المهتزة.
5- اللغة التي تعكسها هذه الأصوات هي لغة سوقية ، تتسخ بكل المفردات النابية المستمدة من الشارع ، والتي تجرح كرامة الإنسان ، وتخدش حياء المسلم .. وهذا يذكرنا بلغة مطبوعات الاسترزاق التي تعج بها مكتبات لندن وباريس ، حيث انها لغة رخيصة ومتدنية .. فهذا هو الخطاب السياسي الذي تعكسه هذه المعارضة.هذه النقاط السابقة هي أساليب تكتيكية قد تنزع إليها أي معارضة بما فيها هذه المعارضة ، ولكن الأهم هو الهدف من المعارضة ، فلم يتم حتى الآن بلورة أي هدف منطقي واضح يستقيم ويتوازن مع فكر وعقل هذا المجتمع ، وفي هذا الخصوص ينبغي توضيح النقاط التالي:
1- هذه المعارضة تحاول أن تخاطب كل الأطياف والألوان ، فهي ترى ذاتها امتداداً للإسلاميين ، والليبراليين ، والوطنيين ، والثوريين ، والقوميين ، والمظلومين والمعوزين ، وأصحاب الحاجة ، الخ .. ولهذا فهي تفتقد عنصرا من عناصر ومقومات الفكر المعارض .. وهي بهذا التشتت تفتقد أي مصداقية لدى أي طرف من هذه الأطراف.
2- السيناريو الذي تحاول أن تضعه بديلا للوضع القائم ، هو في أفضل حالاته سيناريو مخيف جداً ، ويسعى إلى تقطيع المجتمع إرباً إرباً ، وتفتيت القبائل والجماعات إلى منطقة منطقة ، ومدينة مدينة ، وقرية قرية ، وهجرة هجرة .. وتسعى - قصدا ومن غير قصد - إلى هدم الكيان الكبير الذي صنعه هذا الشعب ، وتحطيم كل الإنجازات التي تحققت في مشروع التنمية السعودي خلال العقود الماضية.
3- معظم ما يتم تداوله من قضايا قد تبدو كبيرة لدى قيادات المعارضة ، هي ضمن الأجندة الإصلاحية لقيادة هذه البلاد .. وستأتي خطوة خطوة ، ومرحلة مرحلة .. ونحن على أقدام هذا التحول النوعي في تنظيم وإدارة هذه البلاد .. ولهذا فإن مطالب المعارضة تنتفي بوجود هذا التوجه الإصلاحي الكبير الذي تقوده حكومة خادم الحرمين الشريفين.
إن من يفكر قليلاً ، ويتسم بأدنى درجات الحكمة سيجد ان هذه المعارضة ليست إلا محاولات تصفية حسابات شخصية ، وتنفيس عن عقد نفسية ، ومحاولة ضيقة لتفجير هذا المجتمع ، وتقطيعه ، وتشتيته .. وهذا ما تسعى إليه قوى خارجية منذ عقود وسنوات .. فهذا الكيان الكبير الذي ننتسب إليه هو مصدر قلق وتوتر لهذه القوى ، نظرا لتمسك هذه البلاد بعقيدة الإسلام ، وبثوابت الاستقرار والأمن لمواطنيها .. إن المطالب الإصلاحية التي تنادي بها المعارضة ليست الا مجرد شكليات لا تقدم ولا تؤخر كثيراً .. وهي أشبه بمن يريد أن يهدم منزله من أجل إصلاح نافذة المطبخ ..نسأل الله أن يجنبنا وبلادنا كيد الكائدين ، ويحفظ لنا هذا الكيان الكبير الذي نستظل به ونعيش فيه ونسكن إليه .. وقد قال الله سبحانه وتعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وما دام القرآن هو مصدرنا وموجهنا في هذه البلاد ، فلن ينتابنا خوف أو قلق على سلامة هذا الكيان الكبير.
رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال- أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
|