Friday 26th November,200411747العددالجمعة 14 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

26 ربيع الأول 1392هـ الموافق 9 مايو 1972م العدد 390 26 ربيع الأول 1392هـ الموافق 9 مايو 1972م العدد 390
مصائفنا والمصطافون

*تحقيق: محمد السريحي
عندما يقترب فصل الصيف وتبدأ العطلة يدور الحديث بين كثير من الناس حول قضاء الإجازة أو العطلة الصيفية، فيقول البعض سأقضي إجازتي على قمم جبال لبنان، ويقول آخرون سنذهب في جولة إلى أقطار كثيرة لنتعرَّف على مصائفها ضمن جماعة من الأصدقاء والزملاء.
ولعلني كنت أحد هؤلاء الذين يخططون من أجل الاتفاق معاً على االسفر إلى الخارج، وقد كنت ألقي كل انتباهي على ما يدور من حديث وتفاهم وحفظت منه كل صغيرة وكبيرة وتمنيت حينذاك لو أن ظروفي فعلاً تسمح لي بالسفر مع هؤلاء لأتمكن من رؤية تلك المصائف التي يرتادها كثير من الناس ومضت الأيام فأتيحت لي الفرصة للسفر إلى الخارج في إجازة قصيرة وكنت مندفعاً لأنه يمر في ذهني شيء كثير عن المناظر التي كان الكثير يتحدث عنها وقلت في نفسي لعلني سعيد بهذه الفرصة التي سوف أرى فيها ما يراه غيري من الناس الذين يتحدثون عن مصائف الخارج ويبالغون كل المبالغة في أحاديثهم. وفعلاً غادرت بلادي إلى بلد شقيق وما هي إلا ساعات قليلة حتى حطت بنا الطائرة في مطار لا أعرف فيه صديقاً ولا هادياً يهديني إلى الطريق.
وأهم شيء لفت انتباهي في اللحظات الأولى تلك المعاملة التي يقدمها موظفو ومواطنو ذلك البلد حتى إنني شعرت أنني لم أكن غريباً وقلت في نفسي لعل هؤلاء يعرفونني دون معرفتي بهم وإلا فكيف هذه الخدمة الممتازة والتفاهم الذي يدل على الوعي أي وعي المواطن لواجب بلاده نحو ضيوفها، وكما قلت فليس من صديق ومع هذا فقد فوجئت بالمعاملة الحسنة ورغم هذا فقد كنت مستعداً لكل الاحتمالات فقد رافقني في هذه الرحلة صديقي الوفي (علي بن حسكول) الذي كان يقبع في أحد أدراج حقيبة السفر، وبعد الترتيبات التي تمت في المطار أخذت نفسي جانباً للبحث عن سيارة استقلها إلى أحد الفنادق من أجل النزول والراحة بعد هذه الرحلة الطويلة وتمكنت من الاتفاق مع أحد السائقين على أجرة معينة وطلبت منه إيصالي إلى الفندق الذي أرغب في السكن فيه وحمل شنطتي بين يديه إلى السيارة ثم ركبنا وأخذنا نشق طريقنا في شوارع تلك العاصمة التي تسير فيها السيارة بسرعة هائلة تدل على مهارة السائقين في تلافي الحوادث وكان هذا السائق يحدثني بعد أن رحب بي في بلده وعرف من أين أنا.
وقد كان هذا الحديث الذي دار بيني وبينه نفس الشعور والتفاهم الذي لقيته أثناء نزولي في المطار وعلمت أن وعي المواطن وتفاهمه مع ضيوف بلاده يدل دلالة واضحة على أن هناك إحساساً بالمسؤولية الوطنية، إذ إن مثل هؤلاء يعكسون صورة عن مجتمع بلادهم وأخلاقهم نحو غيرهم تتمثّل في خدماتهم وتواضعهم للغريب الوافد إلى بلادهم: وبعد أن وصلت إلى مقر الفندق الذي أرغب في السكن فيه نزلت من السيارة ونزل السائق وحمل حقيبتي ودخلت الفندق وسلّمنا معلومات النزلاء ثم صعدنا إلى الطابق الثالث.. وهذا السائق يحمل هذه الحقيبة، ثم دخلنا مقر سكني وسلّمت السائق الأجرة المتفق عليها وصافحني وهو يردد أي خدمة.. أي خدمة: قلت شكراً.
وهنا وبهذا الفندق مكثنا أياماً قليلة وكأنني داخل زنزانة، إذ إنني كما قلت لا أعرف أحداً ولا اتصلت بأحد لأتخاطب معه وأقضي معه أيضاً أوقات الفراغ وكنت متحفظاً إلى أبعد الحدود، إلا أنني في نفس الوقت كنت أعتمد على صديقي الوفي (علي بن حسكول) فهو الذي يقف بجانبي عند الشدائد والأزمات وكلما دعت الحاجة إليه أخرجته من جيبي فيسرع لإنقاذي.. ولعل رحلتي هذه شملت أكثر من بلد ولكنني والحق يقال لم أرتح لهذه الرحلة مثلما كنت مرتاحاً في وطني بين أهلي وأبناء عشيرتي، ثم إنني لم أر أكثر مما رأيت في بلادي.. اللهم إلا بعض الأشياء.. فهي لا تعد من الضروريات في بلادنا.. وبعد غياب أكثر من شهر أشار علي صديقي ومرافقي (علي بن حسكول) بالعودة إلى وطني لقضاء بقية الإجازة بين أهلي وأصدقائي ومن هنا حزمت أمري وشددت رحال السفر وعدت مسرعاً خلو الشمال صفر اليدين.
ومكثت أفكر في أمري وأقول لنفسي التي سوَّلت لي بهذه الرحلة أليس من الأجدر بي أنني قضيت تلك الإجازة في ربوع بلادي وانتقلت بين بساتينها ومناظرها الخلاَّبة ومصائفها الجميلة التي تفوق مصائف الخارج مثال لذلك: مصائف الجنوب فهنا وفي الجنوب بالذات مناطق اصطياف كثيرة وغابات متناثرة وجداول جارية وسهول خضراء وأودية تكسوها أشجار العرعر. ففي أبها أماكن عديدة.. السودة: وهي عبارة عن جبل يرتفع عن سطح البحر حوالي 9000 آلاف قدم فوق ظهره مساحات واسعة كستها الطبيعة من الأشجار والأزهار ما لا يخطر على بال أحد ترى بين هذه الغابات المياه المتدفقة من الصخور العالية وأسراب الطيور تتنقل بين الأشجار وترتع في المروج الخضراء وتشم الهواء العليل: وفي سودة عسير هذه لا تشرق الشمس عليها أكثر من ثلاث ساعات في منتصف النهار ذلك لأن السحب المتراكمة والضباب الذي يتخلَّل تلك الغابات يحجب الشمس عن الإشراق، وقد يقول قائل ربما أنني بالغت في هذا الكلام.. فلكي أزيح هذا الشك من قلبه أدعوه لقضاء العطلة هنا ليرى بأم عينه ما قلت ولم أوفه من الكلام ما كان يجب أن يقال.
ثم هناك وفي الشرق الشمالي وعلى امتداد وادي أبها توجد منطقة جميلة تسمى (المحالة) هذه المنطقة لا تقل أهمية عن السودة فيها المياه الجارية والحشائش التي تغطي أديم الأرض عشرات الكيلوات وعلى جوانب هذه الأودية نستطيع رؤية غابات قد تظن أنها قطعة من غابات إفريقيا، ثم تلك البساتين المزروعة بجميع أشجار الفواكه والخضراوات تزيد الأرض جمالاً على جمال الطبيعة الساحرة، وفي الجنوب من أبها وعلى بعد 60 كيلو متراً على امتداد جبال السروات توجد المنطقة المسماة (بالقرعاء) وهذه المنطقة لا تقل أهمية عن السودة والمحالة.. ففيها أيضاً أشجار خضراء ومناظر جميلة ترتاح لرؤيتها وتبتهج لخضرتها, وصدق الشاعر، إذ يقول:


دعاني نحو أبها ما دعاني
فليس لغيرها في القلب ثاني
بلاد كل ما فيها جميل
لها سحر ولا سحر الحساني
فمن كانت إقامته بأبها
فقد رُزق الإقامة بالجنان

إن أبها وكل منطقة في الجنوب، بل على امتداد جبال السروات من الطائف إلى حدودنا الجنوبية بها من المصائف ما يكفي أهالي هذه المملكة السعيدة بقضاء أوقات الإجازات والعطل الصيفية بها..ولعل الكثيرين ممن تمكنوا من زيارة هذه المنطقة يعرفون هذا جيداً.. وبمناسبة قرب فصل الصيف يسرني أن أقدِّم هذا الحديث لقراء هذه الجريدة وذلك لأخذ فكرة عن مواطن الاصطياف في بلادنا من جهة ومن جهة أخرى أخفف عنهم عناء السفر وتكاليفه الباهظة إلى الخارج وفي نفس الوقت، فالأجدر بنا جميعاً أن ننفق تلك الأموال التي ننفقها في الخارج في بلادنا وفي أسواقنا المحلية لنزيد في اقتصادها.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved