أربكت المبادرة السورية بشأن التفاوض مع إسرائيل دون شروط، القيادة الإسرائيلية، التي عكست ردود فعلها الأولى على البادرة السورية غيابا لخطة إسرائيلية للتعامل مع هكذا التحرك، والأرجح أن العقلية العسكرية الإسرائيلية ستكون جاهزة فقط لشن العدوان والتعامل مع شؤون هي بعيدة كل البعد عن العمل السلمي..
لقد نصبت إسرائيل من نفسها ماردا في المنطقة يتحرك للاعتداء على الآخرين فقط، فهذا الكيان المغتصب لا يجيد غير لغة العدوان ولهذا فإن مثل هذه المبادرات تربكه حقيقة إذ تطرح أمامه مسائل تبدو شائكة ولا تتفق مع استعداداته الطبيعية التي هي في الأساس مكرسة للاعتداء وأعمال الحرب..
لهذا ولغيره فإن الذين يتحدثون عن سلام مع إسرائيل عليهم انتظار عملية تحوير كاملة لهذه العقلية العدوانية التي تتغذى على أوهام أن الآخرين يخططون ويفكرون فقط في رمي إسرائيل في البحر وأن عليها أن تكون في الموقع المناسب دائماً لإخماد وقمع أي تحرك من هذا النوع، حتى ولو كان في أقاصي العالم، فهناك وفي كل الأنحاء من يسهر على مراقبة هذه الأجسام المشبوهة التي تتحرك ضد إسرائيل..
لقد رتبت إسرائيل أمورها تجاه دول المنطقة بما فيها سوريا على أساس الوضع الحالي الذي تبدو فيه العصا الأمريكية طويلة بما يكفي كي تصل إلى كل الأنحاء، وتبدو إسرائيل سعيدة بهذه المظلة الأمريكية التي توفر لها وضعاً يتيح لها قدرا من اليهمنة، هي ذاتها، كما تجعلها في حل من العمل من أجل السلام خصوصاً وأن الأطراف التي ينبغي التعامل معها بشأن السلام هي كلها في قفص الاتهام الأمريكي، فسوريا مهددة بالمزيد من العقوبات بشأن مزاعم وادعاءات حول العراق وحول أسلحة محرمة دوليا، وكانت السلطة الفلسطينية تحت رئاسة عرفات في دائرة الاتهام بل والمقاطعة أيضا، وبقية دول المنطقة كلها تحوم حولها الشكوك الأمريكية وتلاحقها التهديدات..
ولهذا وغيره كانت إسرائيل بانتظار الإجراءات الأمريكية بشأن هؤلاء (المتهمين) قبل أن تتعاطى مع أي منهم بشأن السلام، والأحرى أنها كانت تتحين قطف ثمار هذه القبضة الأمريكية والسيف المسلط على أعناق الآخرين من جهة إجبارهم على تنازلات تستفيد منها إسرائيل مقابل تخفيف الضغوط عليهم..
وهكذا فإن إسرائيل غير متعجلة لأي سلام، فهي تراهن على لعبة الوقت وترى أن استمرار الضغوط الأمريكية سيؤمن لها أكثر مما يمكن أن تجنيه عن طريق المفاوضات..
|