Friday 26th November,200411747العددالجمعة 14 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

نبض المداد نبض المداد
نعمة الأمن والدور المطلوب
أحمد بن محمد الجردان

الأمن نعمة عظيمة من أهم مقومات الحياة، فبه بعد توفيق الله تدور عجلة الحياة ويستمر جمالها، ومن لم يأمن لم يذق طعم الحياة، ومن لم يأمن لا يعمل ولا يبْنِ ولا يتعلم ولا يعلِّم أحداً. فبالأمن تطمئن النفوس، وتروق الحياة وتزدهر، ويخضر الزرع، ويدر الضرع، وبه يكون النوم عميقاً، والطعام هنيئاً، والماء مريئاً، وبه يكون للجمال جمال، وللقاء وصال، وللغد أمل وضَّاء، لشروق الشمس سناء، ولغروبها بهاء، ولقمر المساء ضياء. بالأمن كل شيء جميل، بل إن الجمال بكل صوره وتعابيره لا جمال له بدون الأمن، وإن لذائذ الطعام والشراب بكل أصنافها وأشكالها لا لذة لها بدون أمن. أنَّى لمن فقد الأمن أن يتنعم برؤية الجمال، أو بتوافر المال، أو بلذة الطعام أو الشراب، أو بلقاء الأحبة؟! بل حتى الأنس لن يجده في جوانحه ولا مشاعره. وأنَّى له أن يعمل ناهيك أن يكسب، وأنَّى له أن يتعلم ناهيك أن يعلِّم، وأنَّى له أن يبني ناهيك أن يسكن، وأنَّى له أن يزرع ناهيك أن يحصد وهكذا؟! لذا فالأمن له من الأهمية أقصى درجاتها، ومن الأولوية أولى مراتبها، من أجل ذلك امتنَّ الله بمنه وفضله بنعمة الأمن، فقال جل من قائل سبحانه: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}، وقال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ}. وهذه النعمة الجليلة التي امتنَّ الله بها علينا في هذه البلاد هي نعمة لم تأتِ من فراغ، بل أتت بعد توفيق الله جل وعلا ومنِّه وفضله حيث سدَّد ووفق تلك الجهود الصادقة والمخلصة التي تبذلها الدولة - أيدها الله - لاستتباب الأمن وترسيخه، مستعينة بالله قبل كل شيء، ثم بيقظة رجال أمنها ومواطنيها وكل مقيم على ثرى أراضيها الطاهرة، فلكلٍّ دوره، ولكلٍّ أهميته، فرجال الأمن لهم دورهم المناط بهم، وهو دور -أعانهم الله وسددهم- مهم جداً ومضاعف؛ فهو دور المسؤولية ودور المواطنة. وكذلك المواطنون عليهم مسؤولية كبرى في استتباب الأمن لا يمكن التقليل منها، ودورهم مهم جداً. كما أن للمقيمين بشتى دياناتهم وجنسياتهم أيضاً دوراً لا يقل أهمية عن دور المواطنين في هذا الأمر المهم جداً، فكلٌّ له دور، وكلٌّ له مسؤولياته في استتباب الأمن ومدِّ ظلِّه الوارف على الجميع. ولا ريب أن استتباب الأمن من المعروف، وانعدامه من المنكر، لذا فالجميع في سفينة واحدة، ولا يختلف اثنان أن ركاب السفينة الواحدة لو تصرَّف أحدهم تصرفاً يؤدي لغرقها لغرقوا جميعاً، وهكذا فأفراد المجتمع بما فيهم المواطن وغير المواطن كلهم مسؤولون عن أمن مجتمعهم، وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالاً في غاية الدقة ومنتهى الروعة، ففي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَن فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً). لذا فالأخذ على يد مَن يريد زعزعة الأمن وخلاق سفينته هو منهج رباني نؤجر عليه من الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم، وهو واجب على البشر جميعاً، ومن أولويات المسلم وواجباته؛ لأن الإسلام دين التكاتف والتعاون والتناصح والبذل والسعي لما فيه خير البلاد والعباد، والنصوص في ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. ومما لا خلاف عليه أن التعاون في استتباب الأمن من التعاون على البر والتقوى، ولا يتأتى هذا التعاون إلا بالشعور الصادق باحتساب الأجر عند الله، والشعور بوحدة المصير وحاجة الجميع إليه؛ مما يستدعيهم إلى التراص والتعاضد والتماسك كأنهم بنيان مرصوص، كل لبنة فيه واثقة من نفسها ومن تماسك الأخرى في متانتها ويقظتها، والجميع يرفع ما هو شعور قبل أن يكون شعاراً، وهو (أمن الجميع أمني، فلا أفرطنَّ فيه). فخرق أمن سفينة المجتمع هو في الواقع هلاك وفساد كبير، فإن تركنا أولئك المفسدين في الأرض وما أرادوا هلكنا - لا قدر الله - نحن وهم جميعاً، وإن أخذنا على أيديهم بتضافرنا وتعاوننا وتكاتفنا وتلاحمنا نجونا نحن وهم جميعاً!!! فهل يقبل عاقل بعد هذا الأمن الوارف الظلال والدائم الاتصال أن يريق هذه النعمة بيده، وأن يعطي للأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر الفرصة للنيل منا من خلال الإخلال بأمننا؟؟!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved