* الجزيرة - خاص:
الفائزون والفائزات في كثير من المسابقات القرآنية هم أبناء وبنات أسر وعت مسؤوليتها في تربيتهم تربية إسلامية صحيحة، قوامها القرآن الكريم، فدفعوا أبناءهم وبناتهم إلى حلقات ومدارس التحفيظ، ووفروا لهم البيئة المناسبة للحفظ في البيوت، طلباً لثواب الله، وحرصاً على أن يتخلق الأبناء والبنات بأخلاق القرآن الكريم وآدابه، فنالت هذه الأسر شرف فوز أبنائها، والثواب في الآخرة أعظم وأبقى، وهو ما يدفعنا للتساؤل حول الدور المناط بالأسرة نحو الأبناء والبنات، لحثهم على الإقبال على كتاب الله العزيز حفظاً وتدبراً والتزاماً بآدابه وأخلاقه، وتهيئة البيئة المناسبة لذلك، وغيرها من التساؤلات التي نحاول الإجابة عنها من خلال هذا التحقيق.
****
بداية يقول الأستاذ الدكتور صالح بن حسين العايد الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: إن ارتباط الأسرة المسلمة بكتاب الله قراءة وحفظاً ومدارسة وتدبراً، من أقوى عرى التمكن للمسلم في الدنيا والآخرة، ولاشك في أن كل مسلم صادق في رعايته لرعيته التي اؤتمن عليها يحرص على ربط رعيته بالقرآن الكريم، لأنه حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، ونوره المبين، والعروة الوثقى، والمعتصم الأوفى، من ابتغى الهدى في غيره أضله الله، ومن نشد العزة به أعزه الله، ومن أراد الفلاح لنفسه ولأولاده وجب عليه أن يدلف بها وبهم إلى الروضة الخلابة (كتاب الله)، ومن استرعاه الله رعية (ومنها الأبناء والبنات)، ولم يأخذ بأيديهم صغاراً إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم في بيوت الله، فقد أجحف في حقهم، ولربما يكون بذلك التقاعس قد قصر في رعايتهم، والله سائله -ولاريب- عن رعيته.
ولذلك كانت الأسرة عامة، وراعياها الأب والأم خاصة، مطالبة بأن تضع أولادها على الطريق الصحيح للتربية والتعلم، بل على طريق الخير العميم، وذلك بأن تيسر لهم السبل العملية والتربوية والنفسية للانضمام إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وتشجيعهم على ذلك منذ الصغر، حينما يكون الأولاد قيادهم سهلاً، وطاعتهم مواتية، وفكرهم غير مشغول.
غرس حب القرآن
ويضيف د. العايد: ومن واجب الأسرة تجاه أولادها -بنين وبنات- أن يغرسوا في قلوبهم حب القرآن الكريم، وأن يلقوا في روعهم أهمية العناية به، وأن يزرعوا في نفوسهم أن القرآن الكريم ربيع المؤمن، كما أن الغيث ربيع الأرض، لينبت في قلوبهم دائماً وأبداً الشعور بالفخر بقراءته وحفظه وتدبره، وأن يعملوا على أن يجعلوه في قلوبهم بالمكان الأسنى الذي لا يدانيه فيه شيء من شؤون الدنيا وملذاتها، كما أن على الأسرة أن تحرص على أن يتخلق أولادها بخلق أهل القرآن، بالأخلاق الشريفة التي حثهم عليها، ويتخلفوا عن الأخلاق الدنية التي نهاهم عنها، فلا يليق بحامل النور إلا أن يكون منيراً.
ومما يجب أن تعنى به الأسرة دائماً أن تحرص على أن يكون معلم القرآن الذي يعلم أولادهم صالحاً حريصاً، وأن يكون مربياً، فربما رأينا مع الأسف الشديد معلمين للقرآن -وإن كانوا بحمد الله قلة- اتخذوا التعليم مهنة مجردة عن كل خير، فما يغني صنيعهم شيئاً، ولذلك فمن أوجب الواجبات أن نختار لأولادنا من يحرص على أن يكون قدوة صالحة لهم، لأنه يعلمهم أشرف ما يتعلم، فلابد أن يكون في أعينهم كبيراً خليقاً بالتقدير والاحترام، ولله در عتبة بن أبي سفيان القائل لمعلم أولاده: (ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاح نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنته، والقبيح ما استقبحته، علّمهم كتاب الله، وروّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفّه، ولا تكرههم على علم فيملوه، ولا تدعهم فيهجروه، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يتقنون، فإن ازدحام العلم في السمع مضلة للفهم، وعلمهم سير الحكماء، وهدّدهم بي، وأدّبهم دوني، ولا تتكل على عذر مني، فإني اتكلت على كفاية منك).
ويستطرد الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: ومما يجب على الأسرة تجاه أولادهم في حفظ القرآن الكريم أيضاً، أن يهيئوا لهم البيئة المناسبة للحفظ والمذاكرة، وألا يشغلوهم عنها، ولاسيما في مقتبل أعمارهم، فكثير من الناس يحرمون أولادهم من مواصلة التعلم بكثرة أسفارهم، وتنقلاتهم، وزياراتهم، أو بكثرة ما يكلفون به أولادهم من أعمال يمكن أن يقوم بها غيرهم، فتضيع المرحلة الذهبية للحفظ (الطفولة) قبل أن يكمل أولادهم حفظ كتاب الله، وهذا خطأ يندم عليه كل من يقع فيه.
البيئة المناسبة
من جانبه يقول د. عبدالله بن عبدالرحمن الخطيب الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة بالإمارات: تلعب الأسرة دوراً مهماً في تهيئة الجو المناسب لتربية أولادهم على التعلق بالقرآن الكريم حفظاً وتدبراً وسلوكاً، ومهمة تعليم الأطفال كتاب الله تعالى فرض عين على كل رب أسرة.
ولاشك أن الأبوين يلعبان دور الموجه والمرغب للطفل في زيادة كمية الحفظ، بالتشجيع والمكافأة المادية والمعنوية، ثم بتعليمه معاني القرآن الكريم، وتدبر آياته، إضافة إلى مسؤوليتهما عن اختيار المدرسة المناسبة التي تهتم بتعليم القرآن والإسلام في مناهجها الدراسية، ثم القيام بمتابعة الولد في المنزل، أما التطبيق العملي في المنزل من قبل الأبوين لأحكام القرآن وآدابه فهو الوسيلة الأساسية لترسيخها في نفس الطفل، وعندما يقوم الولدان بهذه المهمة العظيمة فإنهما يكونان قد وفرا لابنهما البيئة المناسبة لطاعة الله تعالى، والنشوء في حب الله تعالى، ورسوله- صلى الله عليه وسلم-، وحب القرآن الكريم فيصبح الولد بعد ذلك مواطناً صالحاً يحب الخير للآخرين، ويساهم في بناء أمته ووطنه مساهمة فعالة.
ومن المفيد أن يستثمر الأهل مسابقات القرآن الكريم الدولية والمحلية في تحفيز أولادهم على تعلم القرآن الكريم تلاوة وحفظاً وتدبراً.
علامات صلاح الأبناء
أما الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس، فيقول: للأسرة دور كبير في تشكيل، وتكوين شخصيات أبنائها وبناتها، وتوجيههم التوجيه السليم والقويم، والأخذ بأيديهم في سبيل تحقيق النجاح والفلاح في عاجل الحياة، وبعد الممات، فالأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع، وهي المحضن الذي يتربى فيه الأبناء والبنات، وكما تكون أسرتنا يكون أبناؤنا وبناتنا، وفي الحديث الشريف: (الولد يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، والشاعر العربي الفصيح يقول:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه |
والأسر والعائلات عندما تحبب أبناءها وبناتها في القرآن الكريم، وتبين لهم الفوائد الجمة التي تتحقق لهم بصحبة القرآن، والنهل من معينه العذب، والاغتراف من فيض عطائه الذي لا ينضب، هذه الأسر التي تسلك هذا المسلك في تربية أبنائها وبناتها على حب القرآن والتعلق به، وتعلمه، وتعليمه، والالتزام به، ترضي ربها بهذا الصنيع، وتطمئن الطمأنينة الكاملة على أبنائها وبناتها، وغداً بين يدي الله تجازى الجزاء الأوفى على هذا العمل الصالح الذي قدمته، والذي ستجده في صحائف أعمالها،كما أن الالتزام بالقرآن الكريم قولاً وعملاً يحميهم من الفتن والضلالات مع تنمية القدرات.
الأسر المثالية
ويضيف الشيخ المستاوي: إن حث الأسر لأبنائها وبناتها على الإقبال على القرآن الكريم، وتعلمه، وحفظه، لهو أعظم نحلة ينحلونها لهؤلاء الأبناء والبنات، وكم يكون تأثير الأسر على الأبناء والبنات كبيراً عندما يكون هذا الحث مصحوباً بالقدوة والأسوة، ذلك أن هؤلاء الأبناء والبنات يرون في الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأقارب المثل والقدوة، فالأبناء والبنات عندما يجدون في البيت ترتيباً وتنظيماً يجعل للقرآن منزلة وموعداً، وليس مهجوراً لا يتذكر إلا في المصائب والملمات، إن ذلك الصنيع من شأنه أن يقربهم إلى القرآن الكريم، ويربطهم به، فإذا زادت الأسر إلى هذا الترتيب شيئاً من المحفزات والهدايا، حتى ولو كانت بسيطة، تقدم لمن يحفظ أكثر من الأبناء والبنات لما تيسر من آيات وسور القرآن الكريم، فإنها تشيع في الأسر أجواء من التنافس على فعل الخيرات، ونيل الحسنات، وتكون المنافسات والمسابقات العائلية مقدمة لمشاركة أبناء هذه العائلات في ما لايزال ينتظم كل ديار الإسلام من مسابقات في حفظ القرآن الكريم، والتي من أهمها وأكبرها وأسبقها في التأسيس مسابقة الملك عبدالعزيز العالمية لحفظ وترتيل القرآن الكريم.
|