بعيدا عن مسامع الزوجات، وتجنباً لعقاب قد يقع أو غضب يستلزم هدية ثمينة لتبديده، يكثر في مجالس الرجال في الاستراحات والمقاهي الحديث عن فوائد تعدد الزوجات، وهو حديث لا يخلو من طرافة، فهذا يرى أن التعدد يمنحه فرصة رائعة لاكتشاف أكثر من امرأة، مؤكداً أن لكل واحدة منهن على حد تعبير أحدهم، لها مذاق خاص وآخر يرى أن الزواج بأكثر من امرأة، يجعل كلا منهن تتفانى في خدمته وإرضائه، في منافسة رائعة لاستمالة قلبه والانفراد بعواطفه.
وهذا ثالث يقول: إن الزواج الثاني، هو الأنجح لأنه يقوم على العقل والتفكير السليم، بعد أن يكون الرجل قد اكتسب الخبرة اللازمة من زواجه الأول وتخلص من ثورة الاندفاع الغريزي والانجذاب الأعمى للمرأة.
ومن يستمع لمثل هذه الأحاديث (الرجالية) التي تدور فقط - كما أشرنا - بعيداً عن مسامع الزوجات، لا يكاد يجد فرقاً بين الزوجة في نظر هؤلاء، وبين السيارة التي يتميز كل نوع منها بمزايا خاصة، يضاف لذلك أيضاً أن خبرة قيادة السيارة الثانية، بالطبع تكون أكثر من خبرة من يقود سيارة لأول مرة.
ومما يؤسف له أن هذه الأحاديث ليست حكراً على الرجال المتزوجين فقط، بل نجد مثلها بين شباب ورجال لم يسبق لهم الزواج أصلاً، وهذا ما يؤكد أن ثمة مفهوماً (خاطئاً) حول التعدد عند قطاع كبير من الرجال والشباب، حتى لو افترضنا أن هذا النوع من الأحاديث مجرد وسيلة للتسلية، أو التعبير عن رغبة يصعب تحقيقها لسببٍ أو لآخر، بل وثمة مفهوم خاطئ حول الزواج من أصله حتى من الأولى لقد غابت الأهداف والغايات السامية عن عقول كثيرٍ من الرجال والنساء اليوم وحل محلها مجرد المتعة واللذة فقط.
وبعيداً عن التحدي لمثل هؤلاء الرجال بأن يعبروا عن هذه الرغبة أمام زوجاتهم، ومدى قدرتهم على احتمال عواقب ذلك، لا بد أن نعترف، أن كثيراً من الرجال لا يعانون من قصور في إدراك الحكمة من التعدد، وللأسف فإن كثيراً منهم يتمسح في الشرع الذي أباح التعدد لتبرير نزواته، ثم لا يقوم بما يوجبه عليه الشرع ذاته من وجوب العدل والقيام بمسؤولياته تجاه أولاده وتجاه زوجتيه أو أزواجه.
وحتى لا يساء الفهم ونصبح مادة في أحاديث هؤلاء المتطلعين للتعدد، نقول: لسنا ضد التعدد الذي أباحه الشرع، ولا يمكن أن نكون كذلك فهذا التعدد، قد يكون ضرورة، لسعادة الإنسان وسلامة المجتمع، فزوج المرأة العاقر من حقه الزواج بأخرى تنجب له الذرية، وزوج المرأة المريضة لا حرج عليه أن يتزوج بأخرى تقوم بشؤونه وشؤون بيته، وغيرها من الضرورات أو الاحتياجات التي تؤكد عظمة الشريعة الإسلامية في إباحة التعدد.
لكن ما نتوقف عنده بالتحذير هو (التعدد) لمجرد التعدد، بدافع التقليد، أو الانسياق وراء نزوة عابرة أو وهم زائل، ففي ذلك إساءة لاستخدام ما أباحه الشرع والتفاف وقفز على الضوابط التي وضعتها الشريعة الغراء في إباحة التعدد، هذه الضوابط التي قرنت التعدد بالعدل بين الزوجات، في قوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً}، وقوله تعالى {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}.
فالقرآن الكريم الذي أباح التعدد مثنى وثلاث ورباع اشترط العدل، على الرغم من الجزم بصعوبة تحقيق هذا العدل، وفي قوله تعالى {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}، ما يؤكد أهمية الاكتفاء بواحدة لمن أنس من نفسه العجز عن العدل مادياً وجسدياً ونفسياً لتجنب الحير والظلم والفقر، فهل تتوقع من رجل ينساق وراء نزوة عابرة أن يعدل بين زوجاته؟
وللأسف، إن الفهم الخاطئ لإباحة التعدد، أصاب كثيراً من الأسر بحالةٍ من الرعب، فالزوجة لا تطمئن إلى زوجها، الذي يشهر سلاح الزواج بأخرى في وجهها أو يخفيه ليطعنها به فجأة متى توافرت له القدرة على ذلك، وبالطبع ينعكس ذلك سلباً على استقرار البيت، وسعادة الأبناء.
وخلاصة القول ان الإسلام عندما أباح التعدد قصد إلى تحقيق سعادة الإنسان، وتلبية احتياجاته في حين ان إساءة استخدام هذا الحق، ينافي مقاصد الشريعة، ويضر باستقرار المجتمع، وسلامته، فهل هذا الدرس بعيداً عن حديث المجالس واللهو الذي قد ينتهي بما لا يحمد عقباه لو وصل إلى مسامع الزوجات، ساعتها لن يتدخل (الحاج متولي) أو رفاق السهر، لإنقاذ الزوج من براثن زوجته، كما لن يتدخلوا لو جلس هذا الزوج يشكو من كثرة مطالب زوجته الثانية أو الثالثة، وعجز عن تلبيتها.
بقي أن نقول: سنكون مع التعدد إذا كان سبيلاً لجلب السعادة لجميع الأطراف الزوج وزوجته وأولاده جميعاً، وسبيلاً للعفاف، وضمن عدم الحيف وتضييع الأولاد والزوجة الأولى أو الثانية.
|