استنزفني كثيراً هذا الكلب المشاكس..!
كل يومٍ يقف تحت شرفة نافذتي.. يظل ينبح وينبح دونما سبب..!!
لماذا شرفتي بالذات؟
هذا السؤال ما وجدت جواباً له حتى هذه اللحظة..!
ربما لأن شرفتي جميلة جداً ومتميزة عن باقي الشرفات، أفتخر بها دائماً لأنني دفعت ثمن بنائها وتميزها من سنوات عمري وعقلي الشيء الكثير..!
ولكن لماذا يحاول هذا الكلب الأحمق أن يحول تلك الروعة وذاك التميز إلى ذنب يعاقبني عليه؟
أنا رجل مسالم إلى أبعد الحدود.. أحب كل الناس.. وكل شيء.. وفي سبيل هذا الحب أضحي بأشياء كثيرة تخصني وتعز عليّ فداء لهذا الحب الواسع..!
لذلك لم أشغل فكري بأسباب نباح ذلك الكلب وتقصده إياي وعمدت كعادتي إلى شيءٍ من التضحية وذلك بإلقاء عظمة له كلما نبح باتجاهي.
كانت العظمة تسكته حيناً قبل معاودة المجيء والنباح ثانية للحصول على عظمة أخرى..!
استنزفتني هذه التضحيات كثيراً لذا:
قررت ألا ألقي إليه، هذا اليوم، بأية عظمةٍ..!
لم يسكت أبداً.. كانت نظراته الحاقدة لي تطالبني بما تعود مني.. ولأنني كما أسلفت رجل مسالم أشفقت عليه من حقده نحوي..!
فكرت بطريقة أخرى اكسب بها وده.
قلت في نفسي لعل في ملامستي له والتربيت عليه يجعلانه يكتشف طيبتي فيأنس لي ويكفيني شر ملاحقته لي.
نزلت إليه.
لكن غضبه وحقده كانا أكبر من محاولتي الطيبة تلك.. فعض كفي الممدودة له..!
فارقتني سماتي المسالمة لحظتها وفقدت اتزاني وأصابتني عدوى حقده.
لم أقاوم رغبتي بالثأر منه، أهكذا يكافئني على طيبتي معه وسكوتي على إزعاجه المستمر لي؟
أيها الكلب.. العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم..! ركضت خلفه محاولاً الاقتصاص منه على فعلته وهو يركض وأنا أركض خلفه، فجأة..
شعرت بالخجل حين ومض في ذهني ما قاله - غاندي - مبرراً عدم تصديه لأعدائه. (لن أقضي حياتي راكضاً وراء كلب لأعضه كما عضني)!!.
ندمت مرتين:
مرة حين نزلت إليه، ومرة حين ركضت خلفه..!
قفلت راجعاً إلى غرفتي.
هدوء غريب تلبسني.. وطمأنينة حانية حضنت روحي.
عاد نباح الكلب المسعور يتفجر تحت شرفتي.. أهملته.. تعالى.. وأهملته!!
تمددت في سريري ملتحفاً هدوئي وطمأنينتي.
(إذا كان يكرهني ويحقد عليّ، فتلك مشكلته.. وليست مشكلتي)!
أغمضت عيني ولسان حالي يردد بإشفاق:
إنه كلب.. مجرد كلب!!
|