محاولة لإنقاذ الوضع العراقي

اذا كان ثمة ايجابيات للمؤتمر الذي انعقد في شرم الشيخ بشأن العراق فهو ذلك الإجماع على أن الشأن العراقي لا يمكن الانفراد به من قبل دولة ما، أو مجموعة دول تعبر عن توجه واحد فقط، كما أن من الايجابيات ذلك الحرص الذي تبدَّى في الانتقادات الواسعة لنهج استخدام القوة ضد المناوئين في العراق، وهو أمر يسفر فقط عن زيادة الغبن، ولا يترك مجالا سوى لتنامي الأحقاد وطغيان احتمالات المواجهة وموجات العنف على حد تعبيرالأمير سعود الفيصل خلال كلمته في المؤتمر.
وقد تواترت كلمات المشاركين حول هذا المعنى لتبرز الاهتمام الكبير بتفشى موجات العنف والانفلات الأمني والهجمات التي تنطلق من كل صوب في انعكاس مقيت لاضطراب الأحوال وسيادة العنف، ولعل ذلك من أكبر مهددات الوضع العراقي.
وسيكون مفيداً إذا تنبه الممسكون بزمام الأمور في الساحة العراقية بما في ذلك السلطة المؤقتة والقوات الأمريكية والدولية الأخرى إلى القلق الدولي بهذا الشأن، وأن تجد الكلمات التي ترددت بشأن نبذ العنف في شرم الشيخ صدى لها في الساحة العراقية حتى يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المحرقة التي يبدو انها تطال الجميع.
إن الذين يراهنون على إخضاع الآخرين بمجرد القوة العسكرية سيكون عليهم الابقاء على قوة نيرانهم في حال الاستعداد الكامل على الدوام، فمثل هذا التوجه ثبت بطلانه في الساحة العراقية، مثلما هو الحال في جميع جبهات المواجهة في المنطقة والعالم، ومن غير المعقول أن يتم اعتماد مثل هذا النهج حتى من قبل الدول التي ينظر اليها على انها في قمة التطور التقتني والمعرفي إلا إذا كانت الممارسات التي تتم من قبل الجيوش الكبرى هي من باب الانتقام والتشفي ومحاولات الاستئصال وكلها أمور لن تفضي إلى الاستقرار المنشود وهي بذلك إنما تعبر عن سلوك غير مسؤول.
وحتى الآن فعلينا إدراك أن النتائج الوخيمة الناتجة عن تلك السياسات المعتمدة على القوة ستظل أحد عناوين الحالة العراقية التي لا يمكن التغاضي عنها، فالدمار الذي لحق بالوضع العراقي من جهة إقصاء الحوار وإسقاط معالجة الأمور بالحسنى لا يمكن ترميمه، والجانب الذي تلقى معظم الضربات ولحقت به خسائر جمة يسعى - كما نرى - إلى الانتقام ولن تفلح كثيرا التطبيبات التي تجرى هنا وهناك، خصوصا إذا تواصلت وتيرة التحديات وما يرتبط بها من أعمال عنف من قبل القوة المسؤولة عن الجانب الأعظم من التدمير والتسبب في الخسائر.
ومع ذلك فإن التهدئة لا بد وأن تبدأ، كما لابد أن يصاحب هذه البداية إعلان للنوايا الحسنة وأن يستمر الدفع باتجاه هذه السياسات السلمية إلى أن تتحقق القناعة لدى الأطراف المتضررة بأن هناك توجهاً حقيقياً نحو السلام والاستقرار.