من البدهيات أنَّ الله تعالى وزَّع الأرزاق ومنها مستوى العلم، وطبيعة الإدراك، ومدى التَّأثير، وقدرة العطاء ذلك لأنَّ الجميع يتعلم، والجميع يعي ويدرك، والجميع يقدم بهدف التَّأثير، والجميع يعطي ويبذل بهدف المشاركة والحضور، ففي المجال (الأكاديمي) بدءاً بالمعلم في المدرسة الابتدائية ووصولاً إلى أستاذ الجامعة... لا أتوقع أن أحداً لا يشعر بأنَّه يملك زمام موقفه، وهو يقف أمام ثلَّة من البشر يعطيهم من الخبرات ويذلل لهم الصّعوبات ويكشف لهم عن الخفايا في الخبرات المعرفيّة والعلميّة وهو لا يتحسَّس بأنَّ لديه شيئاً يختلف، وبالتَّالي فهو يعمل على تميزّه..
غير أنَّ مجال المنافسة في هذه البيئة من المتوقع أن يكون مجالاً خصباً بحسن التَّعامل والتَّناول، وبقيم الحق المشروع لخصوصية الأنداد، وبعدم التعارض مع الأضداد، وبفسحة الصدر أمام ما يقال عن الزُّملاء من الثَّناء والتَّقدير، وبالصدِّ عَمّا يُقال عنهم من الإساءة والاغتياب بعدم اللَّوك في مثل هذا السلوك المشين..., وبالتعاون الجاد، وبالعمل نحو إثراء المجال، وبخلق أجواء للعطاء والتطوير والتغيير... لكن ما الذي يحدث؟!
نسمع عن طلاب وطالبات قد تدنت درجاتهم لمجرد أنهم أثنوا على مُعلِّم أو أستاذ أمام زميله صاحب القرار في هذه الدَّرجات، ونسمع عن فشل في بناء جسور ترابط بين أعضاء قسم في مؤسسة واحدة، أو أفراد فريق في تخصص واحد...
وتأتينا ريح ماطرة بغبار، أو رمل، أو حصى ترسلها نفوس مليئة بالدَّكن، مشوبة بالغبطة السَّالبة، بما يعكس من الأجواء المنفِّرة بين زملاء المهنة، فهم لا يلتقون، وإن التقوا فعيونهم لا تتقابل، وقلوبهم لا تتآلف، وأعمالهم لا تتضافر...، لا يعرفون الابتسام في أوجه بعضهم وإن عرفوا أنَّ فيه حسنة، وأنَّ الحسنة بعشر أمثالها... تجد طلابهم يراقبون، وعنهم يتحدثون، ومن أجلهم يشفقون...
القدوة بينهم ضائعة...
والمُثُل في سلوكهم مفقودة
والأسئلة مطروحة عند منافذ خطواتهم...
تجدهم في المدارس، والإدارات، والأقسام في الجامعات، والكليات إن قلَّ عددهم، كَبُرَ أثرهم، وإن عبروا بصمت أشاعت رائحة (نفوسهم) وجودهم في الموقع الذي يعبرون منه، مثل هؤلاء يحرجون الأكاديمية التي أوَّل حجر في بنائها (القدوة) في الجَّماعة، فكيف بها بين المريدين؟!
|